الجمعة، 8 يونيو 2012

بين يدي رمضان لشيخنا وحبيبنا محمد إسماعيل المقدم - حفظه الله -


الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة , بما دفع عنهم من كيد الشيطان , ورَدَّ أملَه , وخيَّب ظنه , إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه وجُنَّة , وفتح لهم به أبواب الجنة , وعرَّفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم: الأهواءُ المستكنَّة , وأن بقمعها تصبح النفس مطمئنة , ظاهرةَ الشوكة في قصْمِ خَصْمِها قوية المُنَّة.                                                
وصلى الله على عبده ورسوله محمد قائد الغُرِّ المُحجَّلين ومُمَهِّد السُّنَّة , وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .                                                              
أما بعد:
فإن حكمة الله جل وعلا اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة , وميداناً للتنافس , وكان من فضله عز وجل على عباده وكرمه أن يجزي على القليل كثيراً , ويضاعفَ الحساب , ويجعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة , فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات , وتقرَّب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات , عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات , فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات , قال الحسن رحمه الله في قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (62) سورة الفرقان , قال: " من عجز بالليل كان له من أول النهار مستعتب , ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب " .                                                                                 
ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلِّها شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن المجيد , ولذا كان حريًا بالمؤمن أن يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم , ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا الموسم الحافل لئلا يفوته الخير العظيم , ولا ينشغل بمفضول عن فاضل , ولا بفاضل عما هو أفضل منه.                                               



أخي المسلم:
استحضر في قلبك الآن أحب الناس إليك , وقد غاب عنك أحد عشر شهراً , وهب أنك بُشِّرتَ بقدومه وعودته خلال أيام قلائل... كيف تكون فرحتك بقدومه , واستبشارك بقربه , وبشاشتك للقائه ؟                                                                 
إن أول الآداب الشرعية بين يدي رمضان أن تتأهب لقدومه قبل الاستهلاك , وأن تكون النفس بقدومه مستبشرة ولإزالة الشك في رؤية الهلال منتظرة , وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره , إذ أن التأهب لشهر رمضان والاستعداد لقدومه من تعظيم شعائر الله تبارك وتعالى القائل: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحـج.                                                    
يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون , ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه , ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات , وزيادة الحسنات , وهجر السيئات , وأولئك يبشَّرون بقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس , وذلك لأن محبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل , قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (124) سورة التوبة , فترى المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان ، تحن قلوبهم إلى صوم نهاره ، ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولاهم ، وتراهم يمهدون لاستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان .  
باع قوم من السلف جارية لهم لأحد الناس ، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان – كما يصنع كثير من الناس اليوم – فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: " لمـاذا تصنعون ذلك؟ " ، قالوا: " لاستقبال شهر رمضان " ، فقالت: " وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم السَّنَةُ عندهم كأنها كلَّها رمضان ، لا حاجة لي فيكم ، رُدُّوني إليهم " ، ورجعت إلى سيدها الأول .                                                                             
سمع المؤمنون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل عمل ابن آدم يضاعف : الحسنة بعشر أمثالها ،   إلى سبع مائة ضعف ، قال تعالى : إلا الصوم , فإنه لي وأنا أجزي به , يدع شهوته وطعامه من أجلي " [ الحديث رواه مسـلم ] ، فعلموا أن الامتناع عن الشهوات لله عز وجل في هذه الدنيا سبب لنيلها في الآخرة , كما أشار إلى ذلك مفهوم قول رسول الله r: " من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم يتب منها , حُرِمَها في الآخرة " [ متفق عليه ] , وقوله r: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " [ متفق عليه ] ، وقوله r: " من ترك اللباس تواضعاً لله , وهو يقدر عليه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق , حتى يخيره من أي حلل الإيمان شـاء يلبسها " [ رواه الترمذي وحسنه , والحاكم وصححه , ووافقه الذهبي ] .                                                     
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r بعث أبو موسى على سرية في البحر , فبينما هم كذلك ، قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة ، إذا هاتف فوقهم يهتف : (( يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه )) فقال أبو موسى : (( أخبرنا إن كنت مخبراً )) ، قال: (( إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف ، سقاه الله يوم العطش )) [ رواه البزار ، وحسنه المنذري ] ، وفي رواية عن أبي موسى رضي الله عنه قال: " إن الله قضى على نفسه أن من عطَّش نفسه لله في يوم حار ، كان حقًا على الله أن يَرْوَيه يوم القيامة " ، قال: (( فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه )) [ رواه ابن أبي الدنيا ].   
  وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي r قال: " إن في الجنة باباً يقال له:    الريان ، يدخل منه الصائـمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أُغٌلِق ، فلم يدخل منه أحد ، فإذا دخل آخرهم أغلق ، ومن دخل شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً " .                                                                            
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال رسول الله r: " أتاني جبريل ، فقال: يا محمد ، من أدرك أحد والديه , فمات فدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين ، فقلت: آمين ، قال: يا محمد , من أدرك شهر رمضان , فمات فلم يُغفر له، فأُدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين ، فقلت: آمين , قال: ومن ذُكِرتَ عنده فلم يصل عليك , فمات ، فدخل النار ، فأبعده الله , قل: آمين , فقلت: آمين " [ رواه الطبراني في " الكبير" , وصححه الألباني ].                                                                         
فهل تعجب أخي المؤمن أن جبريل ملك الوحي يقول في هذا الحديث , وفيما رواه مسلم " من أدرك شهر رمضان ولم يُغفر له باعده الله في النار " ثم يؤمِّن خليل الرحمن الصادق r على دعائه ؟! , وأي عجب ورمضان فرصة نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة , ودواعيها متيسرة , والأعوان عليها كثيرون , وعوامل الفساد محدودة , ومردة الشياطين مصفَّدون , ولله عتقاء في كل ليلة , وأبواب الجنة مفتحة ، وأبواب النيران مغلقة , فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن ؟ ، ولا يهلك على الله إلا هالك , ومن لم يكن أهلاً للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت يتأهل لها ، ومن خاض البحر اللجاج ولم يَطَّهَّرْ فماذا يطهره ؟! .                                                                           
إذا الروْض أمسى مُجْدِباً في ربيِعِه     ففي أي حينٍ يستنيرُ ويُخْصِبُ ؟
لقد بيَّن الصادق المصدوق r اختلاف سعى الناس في الاستعداد لرمضان , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: " بمحلوف رسول الله r ([1]) ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان ، ولا أتى على المنافقين شهر شر لهم من رمضان , وذلك لما يُعِدُّ المؤمنون فيه من القوة للعبادة ([2]) وما يُعد فيه المنافقون من غَفلات الناس وعوراتهم ([3]) , هوغَنْمٌ للمؤمن ([4]) يغتنمه الفاجر([5]) ". [ أخرجه الإمام أحمد , ونسبه ابن حجر في "التعجيل" إلى صحيح ابن خزيمة , وصححه العلامة أحمد شاكر رقم8350 ].                                                                        

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  من طريق آخر مرفوعاً: " أظلَّكم " أي أشرف عليكم , وقرب منكم – " شهركم هذا بمحلوف رسول الله r , ما مَرَّ بالمؤمنين شهر خير لهم منه , ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه , إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يُدخِله , ويكتب إصره – أي إثمه وعقوبته – ( وشقاؤه من قبل أن يدخله ) لأنه يعلم ما كان وما يكون ( وذلك أن المؤمن يُعِدُّ فيه القوة للعبادة من النفقة , ويعد المنافق اتباع غفلة الناس واتباع عوراتهم , فهو غنم للمؤمن , يغتنمه المنافق ) [ رواه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط , وابن خزيمة في صحيحه , وسكت عنه المنذري , وأورده الهيثمي , وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط , عن تميم مولى ابن رمانة و ولم أجد من ترجمه ]اهـ .                                                                               


___


ماذا يحدث في أول ليلة من رمضان ؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r:" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان , صُفِّدت الشياطين ومردة الجن , وغُلِّقت أبواب النار , فلم يُفتح منها باب , وفُتحت أبواب الجنة , فلم يغلق منها باب , وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل , ويا باغي الشر أقصر , ولله عتقاء من النار , وذلك كل ليلة " [ رواه الترمذي وابن ماجه , وابن خزيمة في ( صحيحه ) , والبيهقي ] .                                                             
إن خير الهدي هدي محمد r , ومن هديه r في هذا الموضع المبادرة إلى تذكير الناس ببركات هذا الموسم العظيم , فقد قال r لأصحابه في أول ليلة من رمضان :            
" أتاكم شهر رمضان , شهر مبارك , فرض الله عليكم صيامه , تفتح فيه أبواب السماء , وتغلق فيه أبواب الجحيم , وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين , لله فيه ليلة خير من ألف شهر , من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ " [ رواه النسائي والبيهقي , وحسنه الألباني ].                     

كيف يستقبل باغي الخير رمضان ؟
أولاً: بالمبادرة إلى التوبة الصادقة , المستوفية لشروطها , وكثرة الاستغفار , لأنه شُرِعَ في استفتاح بعض الأعمال , كما في خطبة الحاجة (( نحمده , ونستعينه , ونستغفره )) كما
  Uنُدب إليه مطلقاً , وقال الله : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا  ( [ التحريم:8 ].                                                                              
 ثانياً: بتعلم ما لابد منه من فقه الصيام , أحكامه وآدابه , والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر , وغيرها , قال رسول r: " طلب العلم فريضة على كل مسلم " .                                                                                    
ثالثاً: عقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة , قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [ محمد:21 ] , وقال جلا وعلا: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً َ} (46) سورة التوبة ، وتحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً .                                                                                      
رابعاً: استحضار أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ أيام معدودات ، سرعان ما يولي ، فهو موسم فاضل ، ولكنه سريع الرحيل ، واستحضار أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة تذهب أيضاً ، ويبقى الأجر ، وشَرْحُ الصدر ، فإن فرط الإنسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته ، وبقيت تبعاتها وأوزارها .  
خامساً: الاجتهاد في حفظ الأذكار والأدعية المطلقة منها والموظفة ، خصوصاً الوظائف المتعلقة برمضان ، استدعاءً للخشوع وحضور القلب ، واغتناماً لأوقات إجابة الدعاء في رمضان ، والاستعانة على ذلك بدعاء: " اللهم أعنِّي على ذكرك ، وشكرك ، وحُسن عبادتك " ، وهاك الأذكار الثابتة المتعلقة بوظائف رمضان:-    
ما يقول إذا رأى الهلال ([6]) : 
- يقول مستقبلَ القبلة ([7]): الله أكبر ، اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والتوفيقِ لما تحب وترضى ، ربنا وربكَ الله .    
- وإذا رأى القمر ، قال: أعوذ بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب ([8]) .     
- وإذا صام ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: " إني صائم ، إني صائم " ([9]) ( مرتين أو أكثر ) .  

ماذا يقول عند الإفطار ؟
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r: " ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر " .                                            
وهذه الدعوة التي لا ترد تكون عند فطره ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي r: " ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة مظلوم " ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال رسول الله r: " إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد " .
- وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله r ، فقد كان يقول r إذا أفطر: " ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله " .  
- وعن معاذ بن زهرة أن النبي r كان إذا أفطر قال: " اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت " [ رواه أبو داود مرسلاً ، وقال الألباني: " لكن له شواهد يتقوى بها " ] .     
- وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول عند فطره: " اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي " [ رواه أبو داود ] . 

سادساً: الاستكثار من الأعمال الصالحات ، فإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، ومن ذلك :                                                                                       
[1] صيام شعبان: استعداداً لرمضان ، فعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: " ما رأيت رسول الله r استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان " .                                                                    
[2] تلاوة القرآن الكريم: فإن رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه ، وتدبره ، وعرضه على من أقرأ منه .                                     
كان جبريل يدارس النبي r القرآن في رمضان ، وعارضه في عام وفاته مرتين ، وكان عثمان بن عفان –رضي الله عنه- يختم القرآن الكريم كل يوم مرة ، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، ويقبل على تلاوة المصحف .                                                                            
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة ، وأقبل على قراءة القرآن ، قال الزهري: " إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن ، وإطعام الطعام " .                   
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله- : " وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المدوامة على ذلك ، فأما الأوقات المفضلة – كشهر رمضان – خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر – أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها ، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه يدل عمل غيرهم " اهـ .                                     
[3] قيام رمضان: فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: " كان رسول الله r يُرَغِّب في قيام رمضان ، من غير أن يأمرهم بعزيمة ، ثم يقول: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ، وجاء رسول الله r رجل من قضاعة ، فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وصمت الشهر ، وقمت رمضان ، وآتيت الزكاة ؟ " فقال النبي r: " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " .                                                          
[4] الصدقة: (( فقد كان r أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان أجود بالخير من الريح المرسلة ، ولا يُسأل شيئاً إلا أعطاه )) .                           
وقال r: " أفضل الصدقة صدقة في رمضان " .                                         
ومن صور الصدقة إطعام الطعام ، وتفطير الصوام ، قال r: " من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا يُنْقِصُ من أجر الصائم شيئاً " ، فإن عجز عن عَشائه فطَّره على تمرة أو شربة ماء أو لبن ، وقال r: " اتقوا النار ، ولو بشق تمرة " ، وعن عليّ –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " إن في الجنة غُرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلي بالليل والناس نيام " ، وقال r: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفيء غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر " .                                   
وقال رسول الله r: " أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع ؛ أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمناً على ظمأ ؛ سقاه الله من الرحيق المختوم " .                            
وقال بعض السلف: (( لأن أدعو عشرة من أصحابي ، فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل )) .                                                   
وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ، منهم عبد الله بن عمر ، وداود الطائي ، ومالك بن دينار ، وأحمد بن حنبل ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين ، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه ، فلم يفطر في تلك الليلة .                             
وكان من السلف من يطعهم إخوانه الطعام وهو صائم ، ويجلس يخدمهم ويروحهم ، منهم الحسن وابن المبارك ، وقال أبو السوار العدوي: (( كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ، إن وجد من يأكل معه أكل ، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد ، فأكله مع الناس وأكل الناس معه )) ، قال الإمام الماوردي –رحمه الله-: (( ويستحب للرجل أن يوسع على عياله في شهر رمضان ، وأن يحسن إلى أرحامه وجيرانه ، لا سيما في العشر الأواخر منه )) اهـ.                                 
وإذا دُعي المسلم الصائم عليه أن يجيب الدعوة ، لأن من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم r ، وينبغي عليه أن يعتقد جازماً أن ذلك لا يضيع شيئاً من حسناته ، ولا ينقص شيئاً من أجره .                                                                            
ويستحب للمدعو أن يدعو للداعي بعد الفراغ من الطعام بما جاء عن النبي r وهو أنواع ، كقوله r :                                                                               
  +" أكل طعامَكم الأبرارُ ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " .
  +" اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني " .  
  +" اللهم اغفرلهم  ، وارحمهم ، وبارك لهم فيما رزقتهم " .  
[5] المكث في المسجد بعد صلاة الفجر: فقد كان r إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، وقال r: " من صلى الفجر في جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " .               
فعلى المرء أن يجمع همته ليغتنم هذا الزمان الشريف ، ولا يضيره انصراف أكثر الناس عن هذه السُّنَّة ، بل الحازم ينظر في أمر الدين إلى من هو فوقه ، ومن هو أنشط منه {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (26) سورة المطففين .                                      
وقد يُحرم المرء من هذه السُّنَّة الجليلة لإفراطه في السهر أو السمر بعد العشاء .           
[6] الاعتكاف: فقد كان r يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً .                                                           
[7] العمرة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي r لما رجع من حجة الوداع ، قال لامرأة من الأنصار اسمها أم سنان: " ما منعك أن تحجي معنا ؟ " قالت: أبو فلان –زوجها- له ناضحان ([10]) ، حج على أحدهما ، والآخر نسقي عليه ، فقال لها النبي r: " فإذا جاء رمضان فاعتمري ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ، أو قال: حجة معي " .      
ومما ثبت في فضائل العمرة :                                                     
قوله r: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " .                                        
وقوله r: " الحجاج والعُمَّار وفد الله : دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاعهم " .       
وقال r: " من طاف بهذا البيت أسبوعاً –أي سبعة أشواط- فأحصاه ،كان كعتق رقبة ، لا يضع قدماً ، ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئة ، وكتب له بها حسنة " .
[8] تحري ليلة القدر: التي قال تعالى في شأنها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} سورة القدر .                           
قال r: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .               
وقال r: " من قامها ابتغاءها ، ثم وقعت له ؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " .   

وكان r يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يعتكف لذلك ، وكان يوقظ أهله في  ليالي العشر رجاء أن يدركوها .                                           
وعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: قلتُ: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال: " قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " .                    
ويستحب أن يتحرى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ، خصوصاً الليالي الوتر منها ، لقوله r: " التمسوها في العشر الأواخر في الوتر " ، ورجح بعض العلماء أنها ليلة السابع والعشرين .                                                                     
[9] الإكثار من النوافل بعد الفرائض: كالسُّنن القبلية والبعدية ، وصلاة التسبيح ، والضحى ، والذكر والاستغفار ، والدعاء خصوصاً في أوقات الإجابة ، وعند الإفطار ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي الأسحار ، وساعة الإجابة يوم الجمعة .                      
حق شهر الصيام شيئان إن كنت       من الموجبين حـق الصيام.
تقطـع الصوم في نهارك بالذكر       وتفنـى ظلامـه بالقيـام.
[10] المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد: والاجتهاد في تطبيق قول رسول الله r: " من صلى لله أربعين يوماً في جماعة ، يدرك التكبيرة الأولى ، كتب له براءتان: براءة من النار ، وبراءة من النفاق " .                                                          
قال سعيد بن المسيب: (( من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة ؛ فقد ملأ البر والبحر عبادةً )) .                                                                          
هذه إلمامة عجلى ببعض مظاهر الخير الذي ينادي من يقصده وينويه في أول ليلة من رمضان: " يا باغي الخير أقبل " ، فماذا عن باغي الشر الذي يقال له في نفس الليلة " يا باغي الشر أقصر " ؟                                                                      


 ___



يا باغي الشر ... أقصر !!
يا مستثقلاً رمضان ... أقصر !!

إن أول شر يرتكبه أهل الغفلة وبغاة الشر هو أنهم يستثقلونه ، ويعدون أيامه ولياليه وساعاته ، لأن رمضان يحجب عنهم الشهوات ، ويمنعهم اللذات ، يقول شاعرهم :     
ألا ليت الليل فيه شهر        ومَرَّ نهارهِ مرُّ السحابِ.
ويقول آخرُ:
رمضان ولى هاتها ياساقي       مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ.
ما كان أكثره على أُلافها       وأقلَّه في طاعة الخـلاقِ.
حُكي أنه كان لهارون الرشيد غلام سفيه ، فلما أقبل رمضان ضاق به زرعاً ، وأخذ ينشد :                                                                                      
دعاني شهر الصوم –لا كان من شهر–        ولا صمت شهـراً بعده آخرَ الدهرِ.
فلـو كان يُعْدِينـي الأنـام بقـوة       على الشهر لا ستعديتُ قومي الشهرِ.
فأصيب بمرض الصَّرْع ، فكان يصرع في اليوم عدة مرات ، ومازال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر .                                                                  
  >يا متعمد الإفطار في نهار رمضان ... أقصر !  
ومن بغاة الشر من لا يسثقلون رمضان أصلاً ، لأنهم لا يصومون ، بل يجاهرون بالفطر في الطرقات ([11]) ، دون حياء من الله ، ولا من عباد الله .                                      

صح عن أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله r يقول: " بينما أنا نائم أتاني رجلان ، فأخذ بضبعي –عضدي- فأتيا بي جبلاً وعراً ، فقالا: اصعد ، فقلت: إني لا أطيقه ، فقالا: ( سنسهله لك ) ، فصعدت إذا كنت في سواد الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار ، ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً ، قلت: " من هؤلاء ؟ " قال: " الذين يفطرون قبل تحلة صومهم " .                                  
فإذا كان هذا وعيد من يفطرون قبل غروب الشمس ولو بدقائق معدودات ، فكيف بمن يفطر اليوم كله ؟!                                                                           
وقد قال r: " ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له ، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة " [الحديث] .                      
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (( من أفطر عامداً بغير عذر كان تفويته لها من الكبائر )) اهـ .                                                                           
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله-: " وعند المؤمنين مقرر: أنَّ من ترك صوم رمضان بلا عذر أنه شر من الزاني ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ، ويظنون به الزندقة والإخلال " اهـ .                                                                          
                                                                       
  >يا تارك الصلاة أقصر !  
وأعظم بغاة الشر في رمضان تارك الصلاة الذي لا يتوب من جريمة كبرى ، قال الله سبحانه في شأن تاركها {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)}                                                                                    سورة المدثر . وقال في شأنها رسول الله r: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر" ، وقال r: " بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة " ، وعن عبد الله بن شقيق قال: ( كان أصحاب رسول الله r لا يرون شيئاً من الأعمال تركهُ كفر غير الصلاة ) ، وعن عمر –رضي الله عنه- قال: ( أما إنه لاحظ لأحدٍ في الإسلام أضاع الصلاة ) ، وعن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: ( من ترك الصلاة فلا دين له ) .                
وعن نوفل بن معاوية –رضي الله عنه- أن النبي r قال: " من فاتته صلاة ، فكأنما وُتِرَ أهلهَ ومالَه " .                                                                               
 وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- عن النبي r قال: " من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ، وكان يوم القيامة مع قارون ، وفرعون وهامان ، وأُبيِّ بن خلف" .                                                                                    
قال الإمام ابن حزم –رحمه الله تعالى- : (( لا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وقتل مؤمن بغير حق )) اهـ .                                         
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله- : (( ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة ، فإن فعل ذلك مرات فهو من أهل الكبائر إلا أن يتوب ، فإن لازم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين )) اهـ .                                                                  
وقال الإمام المحقق ابن القيم –رحمه الله-: (( لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس ، وأخذ الأموال ، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر ، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة )) اهـ .                                               
وبعيداً عن الخلاف الفقهي في كفر تارك الصلاة ، هل هو كفر أكبر مُخرج من الملة أو هو كفر لا يخرج من الملة ، فدعني أهمس في أذنك يا تارك الصلاة : هل تقبل أن تكون انتماؤك لدين الإسلام ، وإيمانك بالله ورسوله وكتابه قضية محل خلاف ، فعلماء يقلون: ( أنت كافر مثل فرعون وقارون وأبي جهل وأبي لهب ) ، وفريق آخر يقول: ( بل فاسق مجرم شرير أشد خبثاً من قاتل النفس ، وسارق المال ، وآكل الربا ، والزاني ، وشارب الخمر ؟! ) .                                                                                
يا تاركاً لصلاته          إن الصلاة لتشتكي .
وتقول في أوقاتها :          اللهُ يلعن تـاركي .



يا أيتها المتبرجة ... أقصِري !

ومن بغاة الشر في هذا الشهر الكريم المتبرجات بالزينة اللائي لا ينوين التوبة من هذه الكبيرة ، بل يبغين الفساد بالإصرار على إظهار الزينة للأجانب من الرجال ، والخروج إلى الأسواق والطرقات والمجامع متعطرات متطيبات ، كاسيات عاريات ... فاتق الله يا أمَةَ الله في نفسِكِ ، وفي عباد الله الصائمين ، ولا تكوني رسول الشيطان ِإليهم لتفسدي قلوبهم وتشوشي صيامهم ، بل قَرِّيِ في بيتك ، فإن خرجتِ ولابد فاستتري بالحجاب الكامل ، وتأدبي بآداب الإسلام .                                                                    

يا أهل الفن والإعلام : أقصروا !

إن رمضان فرصة ثمينة للتوبة والإنابة إلى الله عزَّ وجلَّ: وأنتم تحولونه إلى فرصة لنشر الفساد وإشاعة الفواحش ، فانضموا إلى صفوف أولياء الله المتقين ، وسخروا الإعلام في خدمة الدين ، وإشاعة المعروف والنهي عن المنكر ، وذكِّروهم بالقرآن والسُّنَّة ، ولا تشغلوهم بالأغاني والمسلسلات ، والفوازير ، والقصات ، قبيح بكم أن تبارزوا ربكم بالحرب في شهره الكريم ، وتكثفوا حربكم على الدين والأخلاق ، كأنكم تشفقون من بوار تجارتكم الشيطانية في هذا الشهر المُبارك ، فتضاعفون من مجهدكم لتصدوا الناس عن سبيل الله عز وجل ، وتبغوها عوجاً .                                                       
إن المنادي يناديكم من أول ليلة في رمضان … أقصروا يا بغاة الشر ، فإن أصررتم فإن ربكم لبالمرصاد ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (19) سورة النــور .                                 
ويا أيها المسلمون الصائمون: فِرُّوا من الفيديو والتلفاز والصحف الفاسدة فراركم من الأسد ، إن الفنانين هم قطاع الطريق إلى الله ، إنهم ممن قال الله فيهم: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} (221) سورة البقرة ، وقال: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف ، وقال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15) فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ  لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16)}  سورة طـه ، وقال تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا(27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ  عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا(28)}  سورة النساء .                                      
فتذكر يا عبد الله الصائم قوله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء ، وأهل الفن يدعونك إلى زنا العين ، وزنا الأذن ، فكبف تطاوعهم وأنت مسلم ؟!                   
وكيف تشاركهم وأنت صائم ؟! وكيف لا تقول إذا دعاك الشياطين إلى هذه المعاصي: " إني صائم ، إني صائم " ؟! وإذا كنت في الصيام تحرم الحلال من الطعام والشراب والشهوة امتثالاً لأمر الله ، فكيف تستبيح ما هو حرام قطعاً من إطلاق البصر إلى النساء الفاجرات ، ألا ما أصدق قول الصادق المصدوق r: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ، وقوله r: " رُبَّ قائم حظُّه من قيامه السهرُ ، ورُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامه الجوعُ والعطش " ، وقوله r: " الصيام جُنَّة ، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرقث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم".                                                                                      
فيا عاكفين أمام الممثلات والراقصات: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء ، وأين أنتم من عباد الرحمن الذين: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (72) سورة الفرقان ، و {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (3) سورة المؤمنون ، لقد بين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تشريع الصيام في قوله جل وعلاَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة .                                                            
ولقد سأل أمير المؤمنين عمر –رضي الله عنه- أُبَيَّ بن كعب –رضي الله عنه- : ما التقوى؟ ، فقال أُبَيَّ : ( يا أمير المؤمنين أما سلكتَ طريقاً ذات شوك؟ ، قال: بلى ، قال: فماذا صنعت؟ ، قال: شمَّرتُ واجتهدتُ ، قال: فذلك التقوى ) .                        
وسئل أمير المؤمنين عليٌّ –رضي الله عنه- عن معنى التقوى ، فقال: ( هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ) .                 

خَـل الذنوب صغيرها       وكبيرَهـا ذاك التُّقَى.
واصنع كماشٍ فوق أر       ضِ الشوك يحذر ما يرى.
لا تحقـرن صغيرة       إن الجبال من الحصـى.

ولقد قال رسول الله r: " الصيام جُنَّة " أي وقاية نتقي بها كل ما نخشاه ، وننال به كل ما نتمناه ، فالصوم وقاية للَّسان في نطقهِ ، وللعين في بصرها ، وللأذن في سماعها ، وهكذا كل الجوارح تتقي ما نُهِي عنه ، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (( إذا صُمْتَ فليصم سمعُك وبصرك ولسانُك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقارٌ وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوَم صومِك سواءً )) .                      



___




يـا خائضاً في أعراض الناس ... أقصر !!

فقد قال تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات ، وقال r: " الغِيبة: ذِكرك أخاك بما يكره " ([12]) .                                                               
قال القرطبي –رحمه الله- : (( لا خلاف أن الغيبة من الكبائر ، وأن من اغتاب أحداً عليه أن يتوب إلى الله عزَّ وجلَّ )) اهـ ([13]) .                                                    
وعن أنس –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون ([14]) وجوههم وصدورهم ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ ، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم " ([15]) .                          
وعن أبي برزة الأسلمي والبراء بن عازب –رضي الله عنهما- قال رسول الله r: " يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمانُ قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، يفضحْه ولو في جوف بيته "([16]) .                                                          


أثر الغيبة في الصوم

عن الحسن بن وهب الجُمَحي قاضي مكة قال: ( وقعت في رجل من أهل مكة ، حتى قلت: " إنه مُخَنَّث " ، فصليت الظهر ؛ فعرض في قلبي شيء ، فسألت عطاء بن أبي رباح ، فقال: " يعيد وضُوءه ، وصلاته ، وصومه " .                                           
وعن الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي حوشب: أن رجلاً أتى إلى ابن أبي زكريا ، فقال: " يا أبا يحيي ! أشعرت أن فلاناً دخل على فلانة ؟ " قال: " حلال طيب " ، قال: " إنه دخل معه برجل " ، فقال ابن أبي زكريا: " إنا لله ! فقد وقع في نفسك لأخيك هذا ؟! حرج عليك بالله أن تكلمني بمثل هذا " ، فلما دنا من باب المسجد قال: " والله لا تدخل حتى ترجع ، فتوضأ مما قلت " .                                                            
وعن أبي صالح أنه أنشد بيت شعر فيه هجاء ، فدعا بماء فتمضمض .                     
وعن رجاء بن أبي سلمة قال: قلت لمجاهد: ( يا أبا الحجاج ؛ الغيبة تنقض الوضوء ؟ ) ، قال: نعم ، وتفطر الصائم .                                                                 
وعن أبي المتوكل الناجي قال: ( كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا ، جلسوا في المسجد ، قالوا: " نطهر صيامنا" ) .                                                                
وعن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر –رضي الله عنه- : "إذا صمت فتحفظ ما استطعت"
فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل ، فلم يخرج إلا إلى صلاة .                          
وعن مجاهد قال: (( ما أصاب الصائم شوى([17]) ، إلا الغيبة والكذب )) ، وعنه قال: (( من أحب أن يسلم له صومه ؛ فليتجنب الغيبة والكذب )) .                         

وعن حفصة بنت سيرين قالت: "الصيام جُنَّة ، ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها الغيبة".
وعن ميمون بن مهران: " إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب " .                      
وعن عَبيدة السلماني قال: " اتقوا المُفْطِرَيْن : الغيبة ، والكذب " .                        
وعن أبي العالية قال: " الصائم في عبادة ما لم يغتب ، وإن كان نائماً على فراشه " .     

وقال الشاعر في هذا المعنى:-
واعلمْ بأنك لا تكونُ تصومهُ       حتى تكونَ تصومُهُ وتصونُه.

وقال آخر:
إذا لـم يكن في السمـع مني تَصَوُّنٌ       وفي بصـري غَضٌ ، وفي منطقي صَمْتُ.
فحظي إذاً من صومي الجوعُ والظمأ       وإن قلتُ: " إني صمتُ يوماً " فما صُمْتُ.

وقال الإمام ابن حزم –رحمه الله- :
( ويُبطل الصومَ أيضاً تعمدُ كلِّ معصية – أي معصية كانت – لا تحاش شيئاً – إذا فعلها عامداً ذاكراً لصومه كمباشرة من لا يحل له ... ) إلى أن قال: ( أو كذب ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو تعمد ترك صلاة ، أو ظلم ، أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله ) ([18]) .
وقد استدل بقوله r: " والصيام جُنَّة ، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرقث ولا يصخب " ([19]) الحديث .                                                                     
وبقوله r: "من لم يدع قول الزور والعمل بهِ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ([20]) .                                                                               

وبما رُوي أنه r أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس ، فقال لهما: " قيئا " فقاءتا قيحاً ودماً ولحماً عبيطاً ، ثم قال r: " ها ، إن هاتين صامتا عن الحلال ، وأفطرتا على الحرام"([21]) .                                                                                 
وقال الإمام النووي –رحمه الله تعالى-: ( ... فلو اغتاب في صومه عصى ، ولم يبطل صومه عندنا ، وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والعلماء كافة إلا الأوزاعي ، فقال: يبطل الصوم بالغيبة ، ويجب قضاؤه ) ([22]) .                                                
وقد استدل الإمام الأوزاعي –رحمه الله- بقوله r: " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع " ([23]) الحديث ، وبأدلة ابن حزم ، وقال النووي: " وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث ... بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الرديء ، لا أن الصوم يبطل به " ([24]) اهـ .                                       


يا ورثة الأنبياء هذه فرصتكم

هذه وصايا مجملة للدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ في هذا الموسم المبارك الذي هو فرصة ثمينة للتجارة الرابحة مع الله عزَّ وجلَّ:                                                           
- حث الناس على أن لا ينشغلوا بفرصة رمضان التي لم تحن مع الذهول عن فرصة شعبان الذي كان رسول الله r يصوم أكثره .                                        
- عليكم أن تدعوا المسلمين لتوثيق روابطهم مع القرآن الكريم ختماً ومراجعة وحفظاً وتفسيراً وتجويداً .                                                                       
- حذروا الناس من قطاع الطريق إلى الله من أهل الفن والإعلام والصحافة .         
- حرضوهم على الكسب الطيب الحلال ، وتوقي الحرام والشبهة .                  
- ذكروهم بأحكام الصوم والقيام والاعتكاف وآداب ذلك كله .                   
- حث الناس على الصدقة الجارية من توزيع المصاحف والكتبيات والأشرطة النافعة .
- عقد حلقة يومية لمدة عشر دقائق عقب صلاتَيْ العصر والفجر يدرس فيها واحد أو اثنان من الكتب الآتية لعموم المصلين: [ رياض الصالحين – الأذكار النواوية – زاد المعاد ] .                                                                                
- تحذير المسلمين من فتور الهمة بعد الشِّرَّة ([25]) التي تكون في أول رمضان ثم لا تلبث أن تتلاشى وتخور العزائم ، فتخلو المساجد من عُمَّارها خاصة في صلاتي الفجر والعشاء أثقل صلاتين على المنافقين .                                                  
- لفت نظر المسلمين إلى سهولة تطبيق نظم الحياة طبقاً للشريعة الإسلامية إذا صدقت النوايا ، وآية ذلك أن رمضان يُحدِث – في ساعات قلائل بمجرد رؤية هلال – ثورة شاملة في دولاب حياة المجتمع كله ، وتغييراً عميقاً على كل صعيد ، فهذا يعكس قدرة الإسلام على إعادة صياغة نظم الحياة كلها في سلاسة وطواعية مدهشة ، وهذا كله دليل رائع على حيوية هذا الدين ، وبقاء الخير في أمة محمد r .                 
- حض المسلمين على تذكر إخوانهم في الدين في البوسنة والهرسك والصومال ، وبورما ، وتايلاند وفلسطين والشيشان وأفغانستان ، وغيرهم من المجاعات والحروب والظلم ، والدعاء لهم مع التداعي لنصرتهم ونجدتهم ، فإذا رأيت أطفالك على مائدة الإفطار تذكر أطفال ويتامى المسلمين الجوعى والعراة .                                
- لا تقصر نشاطك على رواد المساجد ، بل انتقل إلى أهل الحي في مجامعهم ومنازلهم ونواديهم ، فإن المفرّط المقصِّر هو ضالة الداعية .                                      
- تهيئة المساجد لاستقبال المصلين بتنظيفها وتطيبها ([26]) وعمارتها وصيانة مرافقها .    
- إذا صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء ، وكذلك إذا كان المأمومون يوافقونه على التطويل ، وكلما أطال فهو أفضل ، أما إذا كان إماماً لقوم لا يرضون بالتطويل فعليه أن لا يشق عليهم ، قال رسول الله r: " إذا قام أحدُكم للناس فليخفِّفْ الصلاة ، فإن فيهم الصغير والكبير ، وفيهم الضعيف والمريض ، وذا الحاجة ، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .                                 



تنبيهات ووصايا

وهذه وصايا لكل أخ مسلم وأخت مسلمة في هذا الشهر الكريم :                        
- ينبغي أن يقدم في شعبان قضاء ما فاته من صيام رمضان الماضي .                       
- من سُّنَّة المصطفى r صيام أغلب شهر شعبان لأنه لرمضان كنوافل للصلاة .         
- احرص على قيام أول ليلة من رمضان وهي ليلة الرؤيا ، ولا تفوتها ، كي تنال فضيلة قيام رمضان كله .                                                                           
- اصبر على القيام خلف إمامك في التروايح إلى أن ينصرف كي يُكتب لك قيام ليلة كاملة .                                                                                     
- احرص على صلاة المغرب في جماعة المسجد ، فإنه ينبغي تعمير المساجد بالجماعة في رمضان أكثر من غيره .                                                                    
- لا تضيع سُّنَّة العشاء البعدية ، وهما ركعتان بعد العشاء ، وقبل القيام .                
- لا تسهر سهراً يضر بمواظبتك على حضور صلاة الفجر بالمسجد .                     

احرص على تطبيق الأحاديث الشريفة التالية:
[1] عن أبي أُمامة – رضي الله عنه- قال رسول الله r: " صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما ؛ كتاب في عليين " [ رواه أبو داود –حسن].                                     
[2] عن أنس –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " من صلى الفجر في جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حجة ، وعمرة ، تامة ، تامة ، تامة " [ رواه الترمذي –صحيح] .                                               
[3] عن أم حبيبة –رضي الله عنها- قال رسول الله r: " من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بُني له بيت في الجنة : أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل صلاة الغداة " [ رواه الترمذي –صحيح].                                                                                    
[4] عن أنس –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " من صلى لله أربعين يوماً في جماعة ، يدرك التكبيرة الأولى ، كتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق " [ رواه الترمذي –حسن].                                                                  
[5] عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال أبو بكر: أنا ، قال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " ، قال أبو بكر: أنا ، قال: " من أطعم اليوم مسكيناً؟ " ، قال أبو بكر: أنا ، فقال r: " ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " [ رواه مسلم والبخاري في الأدب ] .                      


وصلى الله على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين .

كتبه/ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم .
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين












([1])    قوله رضي الله عنه " بمحلوف رسول الله r " يقسم أبو هريرة بما أقسم به النبي r أنه ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان .
([2])    قوله r : " وذلك لما يعد المؤمنون فيه من القوة للعبادة " أي ما يقويهم عليها في رمضان كادخار القوت , وما ينفقه على عياله فيه , وقد فسره في طريق ثانية بقوله : " وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة للعبادة من النفقة " أي لأن اشتغالهم بالعبادة فيه يمنعهم من تحصيل المعاش أو يقلل منه , فقيام الليل يستدعي النوم بالنهار , والاعتكاف يستدعي عدم الخروج من المسجد , وفي هذا تعطيل لأسباب المعاش فهم يُحصلِّون القوت وما يلزم لأولادهم في رمضان قبل حلوله ليتفرغوا فيه للعبادة والإقبال على على الله عز وجل واجتناء ثمرة هذا الموسم , فهو خير لهم لما اكتسبوه فيه من الأجر العظيم والغفران العميم .
([3])    قوله r : " وما يعد فيه المنافقون من غفلات الناس وعوراتهم " , يعني أن المنافقين يستعدون في شهر رمضان للإيذاء بالمسلمين في دنياهم وتتبع عوراتهم أثناء غفلتهم عن الدنيا وانقطاعهم إلى الله عز وجل ، فكأن ذلك غنيمة اغتنموها في نظرهم , ولكنها في الحقيقة شر لهم لو كانوا يعلمون ما أعده الله لهم في الآخرة من العذاب المقيم وحرمانهم من فضله العميم , نعوذ بالله من ذلك , وما أدق هذا الوصف في حق أهل الفن والإعلام الذين يغتنمون موسم الطاعة لصد الناس عن سبيل ربهم , وفتنتهم عن طاعة الله عز وجل .
([4])    قوله r : " هو غنم للمـؤمن " أي هو فوز للمؤمنين بالأجر والثواب الجزيل من غير مشقة كبيرة , وذلك لما ينزله الله سبحانه على عباده من الرحمات , ويفيضه عليهم من النفحات , ويوسع عليهم من الأرزاق والخيرات , ويجنبهم فيه من الزلات , حيث يفتح لهم أبواب الجنان , ويغلق عنهم أبواب النيران , ويصفد فيه مردة الجان فهو للأمة ربيعها , وللعبادات موسمها , وللخيرات سوقها , فلا شهر أفضل للمؤمن منه , ولا عمل يفضل عما فيه , فهو بحق غنيمة المؤمنين .
([5])    قوله r : " يغتنمه الفاجر " وفي رواية البيهيقي " ونقمة للفاجر " والمعنى أن الله عز وجل ينتقم منه , ويذيقه العذاب الأليم بسوء فعله , وإيذائه المؤمنين , وتتبع عوراتهم , فيكون نقمة له , وأما المسلم فرمضان غنيمة له اكتسبه من صيام أيامه وقيام لياليه , والانقطاع إلى عز وجل بالعبادة فيه , وانظر : ( الفتح الرباني )[9 /230-232 ] .
([6])    أي هلال أيِّ شهر ، ولا يختص برمضان .
([7])    وذلك لأنه " لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة " .
([8])    الغسق: الظلمة والوقوب: الدخول في الظلمة ونحوها ، " فلعل سبب الاستعاذة منه في حال وقوبه لأن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة ، ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء ، فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم ، فأضاف فعلهم في ذلك الحال إلى القمر ، لأنهم يتمكنون منه بسببه ، وهو من باب تسمية الشيء باسم ما هو من سببه ، أو ملازم له " أفاده الحافظ أبو بكر الخطيب .
([9])    والأظهر أنه يسمعه ذلك لينزجر .
([10]) الناضح: الدابة يُسْتَقَى عليها .
([11]) ومن شركاء هؤلاء في الوزر أصحاب المطاعم الذين يفتحون محالهم لترحب بالفاسقين المفطرين بغير عذر ، ويعاونونهم على الإثم والعدوان ومعصية الله ورسوله r.
([12]) رواه مسلم (2589) ، وأبو داود (4874) ، والترمذي (1934) ، وقال: " حسن صحيح " .
([13]) الجامع لأحكام القرآن (16/337) .
([14]) يخمشون : يخدشون ويقطعون .
([15]) أخرجه الإمام أحمد (3/224) ، وأبو داود (4878) ، (4879) ، وصححه الألباني على شرط مسلم في " الصحيحة " رقم ( 533 ) .
([16]) رواه من حديث أبي برزة الإمام أحمد (4/420) ، وأبو داود (4880) ، ومن حديث البراء أبو يعلى في مسنده (1675) ، وحسنه المنذري في " الترغيب " (3/240) .
([17]) " الشوى – بالقصر – الهين من الأمر ، قال في (اللسان): وفي حديث مجاهد: (( : كل ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب ، فهي له كالمقتل )) ، قال يحيي بن سعيد: الشوى هو الشيء اليسير الهين ، قال: وهذا وجهه ، وإياه أراد مجاهد ، ولكن الأصل في الشوى الأطراف ، وأراد أن الشوى ليس بمقتل ، وأن كل شيء أصابه الصائم لا يبطل صومه فيكون كالمقتل له ؛ إلا الغيبة والكذب ؛ فإنهما يبطلان الصوم ، فهما كامقتل له ::: أفاده العلامة أحمد محمد شاكر –رحمه الله- في حاشية " المحلى " (6/179) .
([18]) " المحلى " (6/177) .
([19]) رواه البخاري ( 1904) ، ومسلم ( 1151) .
([20]) رواه البخاري (1903) .
([21]) رواه الإمام أحمد (5/431) من رواية عبيد ، والطيالسي من حديث أنس ، وأشار في ( الترغيب ) إلى ضعفه (3/507) .
([22]) " المجموع" (6/398) .
([23]) رواه من حديث أبي هريرة ابن ماجه (1/539) .
([24]) " المجموع " (6/399) .
([25]) الشِّرَّة: الحِدَّة والنشاط .
([26]) ولا يبالغ في تطيب المسجد بالبخور المركز الذي يؤذي بعض المرضى والمصلين ، فإن الشيء إذا جاوز حدَّه آذى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق