
الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة , بما دفع عنهم من
كيد الشيطان , ورَدَّ أملَه , وخيَّب ظنه , إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه وجُنَّة ,
وفتح لهم به أبواب الجنة , وعرَّفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم: الأهواءُ
المستكنَّة , وأن بقمعها تصبح النفس مطمئنة , ظاهرةَ الشوكة في قصْمِ خَصْمِها
قوية المُنَّة.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد قائد الغُرِّ
المُحجَّلين ومُمَهِّد السُّنَّة , وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فإن حكمة الله جل وعلا اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً
للآخرة , وميداناً للتنافس , وكان من فضله عز وجل على عباده وكرمه أن يجزي على
القليل كثيراً , ويضاعفَ الحساب , ويجعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة , فالسعيد
من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات , وتقرَّب فيها إلى مولاه بما أمكنه من
وظائف الطاعات , عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات , فيسعد بها سعادة يأمن بعدها
من النار وما فيها من اللفحات , قال الحسن رحمه الله في قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (62) سورة الفرقان , قال: " من عجز
بالليل كان له من أول النهار مستعتب , ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب
" .
ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلِّها شهر
رمضان الذي أُنزل فيه القرآن المجيد , ولذا كان حريًا بالمؤمن أن يحسن الاستعداد
لهذا القادم الكريم , ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا
الموسم الحافل لئلا يفوته الخير العظيم , ولا ينشغل بمفضول عن فاضل , ولا بفاضل
عما هو أفضل منه.
أخي المسلم:
استحضر في قلبك الآن أحب الناس إليك , وقد
غاب عنك أحد عشر شهراً , وهب أنك بُشِّرتَ بقدومه وعودته خلال أيام قلائل... كيف
تكون فرحتك بقدومه , واستبشارك بقربه , وبشاشتك للقائه ؟
إن أول الآداب الشرعية بين يدي رمضان أن
تتأهب لقدومه قبل الاستهلاك , وأن تكون النفس بقدومه مستبشرة ولإزالة الشك في رؤية
الهلال منتظرة , وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره , إذ أن
التأهب لشهر رمضان والاستعداد لقدومه من تعظيم شعائر الله تبارك وتعالى القائل: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}
(32) سورة الحـج.
يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون ,
ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه , ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات , وزيادة
الحسنات , وهجر السيئات , وأولئك يبشَّرون بقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس , وذلك لأن محبة الأعمال
الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل , قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن
يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
(124) سورة التوبة , فترى المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان ، تحن قلوبهم إلى
صوم نهاره ، ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولاهم ، وتراهم يمهدون
لاستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان .
باع قوم من السلف جارية لهم لأحد الناس ،
فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال
رمضان – كما يصنع كثير من الناس اليوم – فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: "
لمـاذا تصنعون ذلك؟ " ، قالوا: " لاستقبال شهر رمضان " ، فقالت:
" وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم السَّنَةُ عندهم
كأنها كلَّها رمضان ، لا حاجة لي فيكم ، رُدُّوني إليهم " ، ورجعت إلى سيدها
الأول .
سمع المؤمنون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" كل عمل ابن آدم يضاعف : الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبع مائة ضعف ، قال تعالى : إلا الصوم ,
فإنه لي وأنا أجزي به , يدع شهوته وطعامه من أجلي " [ الحديث رواه مسـلم
] ، فعلموا أن الامتناع عن الشهوات لله عز وجل في هذه الدنيا سبب لنيلها في الآخرة
, كما أشار إلى ذلك مفهوم قول رسول الله r: " من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم
يتب منها , حُرِمَها في الآخرة " [ متفق عليه ] , وقوله r: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه
في الآخرة " [ متفق عليه ] ، وقوله r: " من ترك اللباس تواضعاً لله ,
وهو يقدر عليه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق , حتى يخيره من أي حلل
الإيمان شـاء يلبسها " [ رواه الترمذي وحسنه , والحاكم وصححه , ووافقه
الذهبي ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r بعث أبو موسى على سرية في البحر , فبينما
هم كذلك ، قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة ، إذا هاتف فوقهم يهتف : (( يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه )) فقال أبو موسى : ((
أخبرنا إن كنت مخبراً )) ، قال: ((
إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف ، سقاه الله
يوم العطش )) [ رواه البزار ، وحسنه المنذري ] ، وفي رواية عن أبي
موسى رضي الله عنه قال: " إن الله قضى على نفسه أن من عطَّش نفسه لله في
يوم حار ، كان حقًا على الله أن يَرْوَيه يوم القيامة " ، قال: (( فكان
أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه ))
[ رواه ابن أبي الدنيا ].
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي r قال: " إن في الجنة باباً يقال له:
الريان ، يدخل منه الصائـمون يوم
القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أُغٌلِق ، فلم يدخل منه أحد ، فإذا
دخل آخرهم أغلق ، ومن دخل شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً " .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال رسول
الله r: " أتاني جبريل ، فقال: يا محمد ، من أدرك أحد
والديه , فمات فدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين ، فقلت: آمين ، قال: يا محمد ,
من أدرك شهر رمضان , فمات فلم يُغفر له، فأُدخل النار , فأبعده الله , قل: آمين ،
فقلت: آمين , قال: ومن ذُكِرتَ عنده فلم يصل عليك , فمات ، فدخل النار ، فأبعده
الله , قل: آمين , فقلت: آمين " [ رواه الطبراني في " الكبير"
, وصححه الألباني ].
فهل تعجب أخي المؤمن أن جبريل ملك الوحي
يقول في هذا الحديث , وفيما رواه مسلم " من أدرك شهر رمضان ولم يُغفر له
باعده الله في النار " ثم يؤمِّن خليل الرحمن الصادق r على دعائه ؟! , وأي عجب ورمضان فرصة نادرة
ثمينة فيها الرحمة والمغفرة , ودواعيها متيسرة , والأعوان عليها كثيرون , وعوامل
الفساد محدودة , ومردة الشياطين مصفَّدون , ولله عتقاء في كل ليلة , وأبواب الجنة
مفتحة ، وأبواب النيران مغلقة , فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن ؟ ،
ولا يهلك على الله إلا هالك , ومن لم يكن أهلاً للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت
يتأهل لها ، ومن خاض البحر اللجاج ولم يَطَّهَّرْ فماذا يطهره ؟! .
إذا الروْض أمسى مُجْدِباً في ربيِعِه ففي أي حينٍ يستنيرُ ويُخْصِبُ ؟
لقد بيَّن الصادق المصدوق r اختلاف
سعى الناس في الاستعداد لرمضان , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: " بمحلوف رسول الله r ([1]) ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان
، ولا أتى على المنافقين شهر شر لهم من رمضان , وذلك لما يُعِدُّ المؤمنون فيه من
القوة للعبادة ([2])
وما يُعد فيه المنافقون من غَفلات الناس وعوراتهم ([3])
, هوغَنْمٌ للمؤمن ([4])
يغتنمه الفاجر([5]) ". [ أخرجه الإمام أحمد , ونسبه ابن
حجر في "التعجيل" إلى صحيح ابن خزيمة , وصححه العلامة أحمد شاكر رقم8350
].
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه من طريق آخر
مرفوعاً: " أظلَّكم " أي أشرف عليكم , وقرب منكم – " شهركم هذا
بمحلوف رسول الله r , ما مَرَّ بالمؤمنين شهر خير لهم منه ,
ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه , إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن
يُدخِله , ويكتب إصره – أي إثمه وعقوبته – ( وشقاؤه من قبل أن يدخله ) لأنه يعلم
ما كان وما يكون ( وذلك أن المؤمن يُعِدُّ فيه القوة للعبادة من النفقة , ويعد
المنافق اتباع غفلة الناس واتباع عوراتهم , فهو غنم للمؤمن , يغتنمه المنافق ) [
رواه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط , وابن خزيمة في صحيحه , وسكت عنه
المنذري , وأورده الهيثمي , وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط , عن تميم مولى
ابن رمانة و ولم أجد من ترجمه ]اهـ .
___
ماذا يحدث في
أول ليلة من رمضان ؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r:" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ,
صُفِّدت الشياطين ومردة الجن , وغُلِّقت أبواب النار , فلم يُفتح منها باب ,
وفُتحت أبواب الجنة , فلم يغلق منها باب , وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل , ويا
باغي الشر أقصر , ولله عتقاء من النار , وذلك كل ليلة " [ رواه الترمذي
وابن ماجه , وابن خزيمة في ( صحيحه ) , والبيهقي ] .
إن خير الهدي هدي محمد r , ومن هديه r في هذا الموضع المبادرة إلى تذكير الناس
ببركات هذا الموسم العظيم , فقد قال r لأصحابه في أول ليلة من رمضان :
" أتاكم شهر رمضان , شهر مبارك , فرض الله عليكم
صيامه , تفتح فيه أبواب السماء , وتغلق فيه أبواب الجحيم , وتُغَلُّ فيه مردة
الشياطين , لله فيه ليلة خير من ألف شهر , من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ "
[ رواه النسائي والبيهقي , وحسنه الألباني ].
كيف
يستقبل باغي الخير رمضان ؟
أولاً:
بالمبادرة إلى التوبة الصادقة , المستوفية لشروطها , وكثرة الاستغفار , لأنه
شُرِعَ في استفتاح بعض الأعمال , كما في خطبة الحاجة (( نحمده , ونستعينه ,
ونستغفره )) كما
Uنُدب إليه مطلقاً , وقال الله : )
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَصُوحًا ( [
التحريم:8 ].
ثانياً: بتعلم ما لابد منه من فقه الصيام , أحكامه وآدابه ,
والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر , وغيرها , قال رسول r: " طلب العلم فريضة على كل مسلم
" .
ثالثاً:
عقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة , قال تعالى:
{فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [
محمد:21 ] , وقال جلا وعلا: {وَلَوْ
أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً َ} (46) سورة التوبة ، وتحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها
أجراً .
رابعاً:
استحضار أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ أيام معدودات ، سرعان ما يولي ، فهو
موسم فاضل ، ولكنه سريع الرحيل ، واستحضار أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في
العبادة تذهب أيضاً ، ويبقى الأجر ، وشَرْحُ الصدر ، فإن فرط الإنسان ذهبت ساعات
لهوه وغفلته ، وبقيت تبعاتها وأوزارها .
خامساً:
الاجتهاد في حفظ الأذكار والأدعية المطلقة منها والموظفة ، خصوصاً الوظائف
المتعلقة برمضان ، استدعاءً للخشوع وحضور القلب ، واغتناماً لأوقات إجابة الدعاء
في رمضان ، والاستعانة على ذلك بدعاء: " اللهم أعنِّي على ذكرك ، وشكرك ،
وحُسن عبادتك " ، وهاك الأذكار الثابتة المتعلقة بوظائف رمضان:-
- يقول مستقبلَ القبلة ([7]):
الله أكبر ، اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ،
والتوفيقِ لما تحب وترضى ، ربنا وربكَ الله .
- وإذا رأى القمر ، قال: أعوذ بالله من شر هذا الغاسق
إذا وقب ([8])
.
- وإذا صام ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، وإن امرؤ قاتله أو
شاتمه فليقل: " إني صائم ، إني صائم " ([9])
( مرتين أو أكثر ) .
ماذا يقول عند الإفطار ؟
- عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r: " ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ،
ودعوة المسافر " .
وهذه
الدعوة التي لا ترد تكون عند فطره ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي r: " ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر ، والإمام العادل ،
ودعوة مظلوم " ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال
رسول الله r: "
إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد " .
- وأفضل
الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله r ، فقد كان يقول r إذا أفطر: " ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء
الله " .
- وعن
معاذ بن زهرة أن النبي r كان إذا أفطر قال: " اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت
" [ رواه أبو داود مرسلاً ، وقال الألباني: " لكن له شواهد يتقوى بها
" ] .
- وكان
ابن عمر رضي الله عنهما يقول عند فطره: " اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت
كل شيء أن تغفر لي " [ رواه أبو داود ] .
سادساً: الاستكثار من الأعمال الصالحات ، فإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ،
ومن ذلك :
[1] صيام شعبان: استعداداً لرمضان ، فعن أم
المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: " ما رأيت رسول الله r استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه
في شعبان " .
[2] تلاوة القرآن الكريم: فإن رمضان هو شهر القرآن
فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه ، وتدبره ، وعرضه على من أقرأ منه .
كان
جبريل يدارس النبي r القرآن في رمضان ، وعارضه في عام وفاته مرتين ، وكان عثمان بن عفان –رضي
الله عنه- يختم القرآن الكريم كل يوم مرة ، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في
كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، فكانوا يقرءون القرآن في
الصلاة وفي غيرها ، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وكان
الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً ، وفي
رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر
من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، ويقبل على تلاوة المصحف .
وكان
سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة ، وأقبل على قراءة القرآن ، قال
الزهري: " إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن ، وإطعام الطعام " .
قال
الحافظ ابن رجب –رحمه الله- : " وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من
ثلاث على المدوامة على ذلك ، فأما الأوقات المفضلة – كشهر رمضان – خصوصاً الليالي
التي يطلب فيها ليلة القدر – أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها ،
فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان ، وهو قول أحمد
وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه يدل عمل غيرهم " اهـ .
[3] قيام رمضان: فعن أبي هريرة –رضي الله
عنه- قال: " كان رسول الله r يُرَغِّب في قيام رمضان ، من غير أن يأمرهم بعزيمة ، ثم يقول:
" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ،
وجاء رسول الله r رجل من قضاعة ، فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا
الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وصمت الشهر ، وقمت رمضان ، وآتيت
الزكاة ؟ " فقال النبي r: " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " .
[4] الصدقة: (( فقد كان r أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان أجود بالخير من
الريح المرسلة ، ولا يُسأل شيئاً إلا أعطاه )) .
وقال r: " أفضل الصدقة صدقة في رمضان " .
ومن صور
الصدقة إطعام الطعام ، وتفطير الصوام ، قال r: " من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا يُنْقِصُ من
أجر الصائم شيئاً " ، فإن عجز عن عَشائه فطَّره على تمرة أو شربة ماء أو
لبن ، وقال r: "
اتقوا النار ، ولو بشق تمرة " ، وعن عليّ –رضي الله عنه- قال رسول
الله r: "
إن في الجنة غُرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله
تعالى لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلي بالليل والناس نيام
" ، وقال r: "
صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفيء غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد
في العمر " .
وقال
رسول الله r: "
أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع ؛ أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمناً
على ظمأ ؛ سقاه الله من الرحيق المختوم " .
وقال بعض
السلف: (( لأن أدعو عشرة من أصحابي ، فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إليَّ من
أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل )) .
وكان
كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ، منهم عبد الله بن عمر ، وداود الطائي ،
ومالك بن دينار ، وأحمد بن حنبل ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين
، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه ، فلم يفطر في تلك الليلة .
وكان من
السلف من يطعهم إخوانه الطعام وهو صائم ، ويجلس يخدمهم ويروحهم ، منهم الحسن وابن
المبارك ، وقال أبو السوار العدوي: (( كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما
أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ، إن وجد من يأكل معه أكل ، وإلا أخرج طعامه إلى
المسجد ، فأكله مع الناس وأكل الناس معه )) ، قال الإمام الماوردي –رحمه الله-: ((
ويستحب للرجل أن يوسع على عياله في شهر رمضان ، وأن يحسن إلى أرحامه وجيرانه ، لا
سيما في العشر الأواخر منه )) اهـ.
وإذا
دُعي المسلم الصائم عليه أن يجيب الدعوة ، لأن من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا
القاسم r ،
وينبغي عليه أن يعتقد جازماً أن ذلك لا يضيع شيئاً من حسناته ، ولا ينقص شيئاً من
أجره .
ويستحب
للمدعو أن يدعو للداعي بعد الفراغ من الطعام بما جاء عن النبي r وهو أنواع ، كقوله r :
+" أكل طعامَكم الأبرارُ ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم
الصائمون " .
+" اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني " .
+" اللهم اغفرلهم ، وارحمهم ، وبارك لهم فيما
رزقتهم " .
[5] المكث في المسجد بعد صلاة الفجر: فقد كان
r إذا صلى
الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، وقال r: " من صلى الفجر في جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ،
ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " .
فعلى
المرء أن يجمع همته ليغتنم هذا الزمان الشريف ، ولا يضيره انصراف أكثر الناس عن
هذه السُّنَّة ، بل الحازم ينظر في أمر الدين إلى من هو فوقه ، ومن هو أنشط منه {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (26) سورة المطففين .
وقد
يُحرم المرء من هذه السُّنَّة الجليلة لإفراطه في السهر أو السمر بعد العشاء .
[6] الاعتكاف: فقد كان r يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف
عشرين يوماً .
[7] العمرة: فعن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي r لما رجع من حجة الوداع ، قال لامرأة من الأنصار اسمها أم سنان:
" ما منعك أن تحجي معنا ؟ " قالت: أبو فلان –زوجها- له ناضحان ([10])
، حج على أحدهما ، والآخر نسقي عليه ، فقال لها النبي r: " فإذا جاء رمضان فاعتمري ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ، أو
قال: حجة معي " .
ومما ثبت
في فضائل العمرة :
قوله r: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " .
وقوله r: " الحجاج والعُمَّار وفد الله : دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاعهم
" .
وقال r: " من طاف بهذا البيت أسبوعاً –أي سبعة أشواط- فأحصاه
،كان كعتق رقبة ، لا يضع قدماً ، ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئة ،
وكتب له بها حسنة " .
[8] تحري ليلة القدر: التي قال تعالى في شأنها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} سورة القدر .
قال r: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه " .
وقال r: " من قامها ابتغاءها ، ثم وقعت له ؛ غُفِر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر " .
وكان r يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يعتكف لذلك ، وكان
يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوها
.
وعن أم
المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: قلتُ: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما
أقول ؟ قال: " قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني "
.
ويستحب
أن يتحرى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ، خصوصاً الليالي الوتر منها ،
لقوله r: "
التمسوها في العشر الأواخر في الوتر " ، ورجح بعض العلماء أنها ليلة
السابع والعشرين .
[9] الإكثار من النوافل بعد الفرائض:
كالسُّنن القبلية والبعدية ، وصلاة التسبيح ، والضحى ، والذكر والاستغفار ،
والدعاء خصوصاً في أوقات الإجابة ، وعند الإفطار ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي
الأسحار ، وساعة الإجابة يوم الجمعة .
حق شهر الصيام شيئان إن
كنت من الموجبين حـق الصيام.
تقطـع الصوم في نهارك
بالذكر وتفنـى ظلامـه بالقيـام.
[10] المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد:
والاجتهاد في تطبيق قول رسول الله r: " من صلى لله أربعين يوماً في جماعة ، يدرك التكبيرة
الأولى ، كتب له براءتان: براءة من النار ، وبراءة من النفاق " .
قال سعيد
بن المسيب: (( من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة ؛ فقد ملأ البر والبحر عبادةً
)) .
هذه
إلمامة عجلى ببعض مظاهر الخير الذي ينادي من يقصده وينويه في أول ليلة من رمضان:
" يا باغي الخير أقبل " ، فماذا عن باغي الشر الذي يقال له في
نفس الليلة " يا باغي الشر أقصر " ؟
___
يا باغي الشر ... أقصر !!
يا مستثقلاً رمضان ... أقصر
!!
إن أول
شر يرتكبه أهل الغفلة وبغاة الشر هو أنهم يستثقلونه ، ويعدون أيامه ولياليه
وساعاته ، لأن رمضان يحجب عنهم الشهوات ، ويمنعهم اللذات ، يقول شاعرهم :
ألا ليت الليل فيه شهر ومَرَّ نهارهِ مرُّ السحابِ.
ويقول آخرُ:
رمضان ولى هاتها ياساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ.
ما كان أكثره على
أُلافها وأقلَّه في طاعة الخـلاقِ.
حُكي أنه
كان لهارون الرشيد غلام سفيه ، فلما أقبل رمضان ضاق به زرعاً ، وأخذ ينشد :
دعاني شهر الصوم –لا كان من
شهر– ولا صمت شهـراً بعده آخرَ
الدهرِ.
فلـو كان يُعْدِينـي الأنـام
بقـوة على الشهر لا ستعديتُ قومي
الشهرِ.
فأصيب
بمرض الصَّرْع ، فكان يصرع في اليوم عدة مرات ، ومازال كذلك حتى مات قبل أن يصوم
رمضان الآخر .
>يا متعمد الإفطار في نهار رمضان ... أقصر !
ومن بغاة
الشر من لا يسثقلون رمضان أصلاً ، لأنهم لا يصومون ، بل يجاهرون بالفطر في الطرقات
([11])
، دون حياء من الله ، ولا من عباد الله .
صح عن
أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله r يقول: " بينما أنا نائم أتاني رجلان ، فأخذ بضبعي –عضدي-
فأتيا بي جبلاً وعراً ، فقالا: اصعد ، فقلت: إني لا أطيقه ، فقالا: (
سنسهله لك ) ، فصعدت إذا كنت في سواد الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت: ما هذه
الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار ، ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين
بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً ، قلت: " من هؤلاء ؟
" قال: " الذين يفطرون قبل تحلة صومهم " .
فإذا كان
هذا وعيد من يفطرون قبل غروب الشمس ولو بدقائق معدودات ، فكيف بمن يفطر اليوم كله
؟!
وقد قال r: " ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن
لا سهم له ، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة " [الحديث] .
قال شيخ
الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (( من أفطر عامداً بغير عذر كان تفويته لها من
الكبائر )) اهـ .
وقال
الحافظ الذهبي –رحمه الله-: " وعند المؤمنين
مقرر: أنَّ من ترك صوم رمضان بلا عذر أنه شر من الزاني ومدمن الخمر ، بل يشكون في
إسلامه ، ويظنون به الزندقة والإخلال " اهـ .
>يا تارك الصلاة أقصر !
وأعظم
بغاة الشر في رمضان تارك الصلاة الذي لا يتوب من جريمة كبرى ، قال الله سبحانه في
شأن تاركها {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ(43)} سورة المدثر . وقال في
شأنها رسول الله r: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر"
، وقال r: "
بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة " ، وعن عبد الله بن شقيق
قال: ( كان أصحاب رسول الله r لا يرون شيئاً من الأعمال تركهُ كفر غير الصلاة ) ، وعن عمر –رضي
الله عنه- قال: ( أما إنه لاحظ لأحدٍ في الإسلام أضاع الصلاة ) ، وعن ابن مسعود –رضي
الله عنه- قال: ( من ترك الصلاة فلا دين له ) .
وعن نوفل
بن معاوية –رضي الله عنه- أن النبي r قال: " من فاتته صلاة ، فكأنما وُتِرَ أهلهَ ومالَه
" .
وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- عن النبي
r قال:
" من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم
يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ، وكان يوم القيامة مع
قارون ، وفرعون وهامان ، وأُبيِّ بن خلف" .
قال
الإمام ابن حزم –رحمه الله تعالى- : (( لا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وقتل مؤمن
بغير حق )) اهـ .
وقال
الحافظ الذهبي –رحمه الله- : (( ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة ، فإن فعل ذلك مرات فهو من أهل
الكبائر إلا أن يتوب ، فإن لازم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين ))
اهـ .
وقال
الإمام المحقق ابن القيم –رحمه الله-: (( لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب
وأكبر الكبائر ، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس ، وأخذ الأموال ، ومن
إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر ، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا
والآخرة )) اهـ .
وبعيداً
عن الخلاف الفقهي في كفر تارك الصلاة ، هل هو كفر أكبر مُخرج من الملة أو هو كفر
لا يخرج من الملة ، فدعني أهمس في أذنك يا تارك الصلاة : هل تقبل أن تكون انتماؤك
لدين الإسلام ، وإيمانك بالله ورسوله وكتابه قضية محل خلاف ، فعلماء يقلون: ( أنت
كافر مثل فرعون وقارون وأبي جهل وأبي لهب ) ، وفريق آخر يقول: ( بل فاسق
مجرم شرير أشد خبثاً من قاتل النفس ، وسارق المال ، وآكل الربا ، والزاني ، وشارب
الخمر ؟! ) .
يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي .
وتقول في أوقاتها : اللهُ يلعن تـاركي .
يا أيتها المتبرجة ...
أقصِري !
ومن بغاة
الشر في هذا الشهر الكريم المتبرجات بالزينة اللائي لا ينوين التوبة من هذه
الكبيرة ، بل يبغين الفساد بالإصرار على إظهار الزينة للأجانب من الرجال ، والخروج
إلى الأسواق والطرقات والمجامع متعطرات متطيبات ، كاسيات عاريات ... فاتق الله يا
أمَةَ الله في نفسِكِ ، وفي عباد الله الصائمين ، ولا تكوني رسول الشيطان ِإليهم
لتفسدي قلوبهم وتشوشي صيامهم ، بل قَرِّيِ في بيتك ، فإن خرجتِ ولابد فاستتري
بالحجاب الكامل ، وتأدبي بآداب الإسلام .
يا أهل الفن والإعلام :
أقصروا !
إن رمضان
فرصة ثمينة للتوبة والإنابة إلى الله عزَّ وجلَّ: وأنتم تحولونه إلى فرصة لنشر
الفساد وإشاعة الفواحش ، فانضموا إلى صفوف أولياء الله المتقين ، وسخروا الإعلام
في خدمة الدين ، وإشاعة المعروف والنهي عن المنكر ، وذكِّروهم بالقرآن والسُّنَّة
، ولا تشغلوهم بالأغاني والمسلسلات ، والفوازير ، والقصات ، قبيح بكم أن تبارزوا
ربكم بالحرب في شهره الكريم ، وتكثفوا حربكم على الدين والأخلاق ، كأنكم تشفقون من
بوار تجارتكم الشيطانية في هذا الشهر المُبارك ، فتضاعفون من مجهدكم لتصدوا الناس
عن سبيل الله عز وجل ، وتبغوها عوجاً .
إن
المنادي يناديكم من أول ليلة في رمضان … أقصروا يا بغاة الشر ، فإن أصررتم فإن
ربكم لبالمرصاد ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ
أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (19) سورة النــور .
ويا أيها
المسلمون الصائمون: فِرُّوا من الفيديو
والتلفاز والصحف الفاسدة فراركم من الأسد ، إن الفنانين هم قطاع الطريق إلى الله ،
إنهم ممن قال الله فيهم: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} (221) سورة البقرة ، وقال: {وَلَا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف ، وقال
تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا تَسْعَى(15) فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا
مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَتَرْدَى(16)} سورة طـه ، وقال
تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا(27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا(28)} سورة النساء .
فتذكر يا
عبد الله الصائم قوله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء ، وأهل
الفن يدعونك إلى زنا العين ، وزنا الأذن ، فكبف تطاوعهم وأنت مسلم ؟!
وكيف
تشاركهم وأنت صائم ؟! وكيف لا تقول إذا دعاك الشياطين إلى هذه المعاصي: " إني
صائم ، إني صائم " ؟! وإذا كنت في الصيام تحرم الحلال من الطعام والشراب
والشهوة امتثالاً لأمر الله ، فكيف تستبيح ما هو حرام قطعاً من إطلاق البصر إلى
النساء الفاجرات ، ألا ما أصدق قول الصادق المصدوق r: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع
طعامه وشرابه " ، وقوله r: " رُبَّ قائم حظُّه من قيامه السهرُ ، ورُبَّ صائمٍ حظُّه
من صيامه الجوعُ والعطش " ، وقوله r: " الصيام جُنَّة ، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرقث ولا
يصخب ، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم".
فيا
عاكفين أمام الممثلات والراقصات: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ
وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء ، وأين أنتم من عباد الرحمن الذين: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا
كِرَامًا} (72) سورة الفرقان ، و {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ
اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (3) سورة المؤمنون ، لقد
بين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تشريع الصيام في قوله جل وعلاَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة .
ولقد سأل
أمير المؤمنين عمر –رضي الله عنه- أُبَيَّ بن كعب –رضي الله عنه- : ما التقوى؟ ،
فقال أُبَيَّ : ( يا أمير المؤمنين أما سلكتَ طريقاً ذات شوك؟ ، قال: بلى ، قال:
فماذا صنعت؟ ، قال: شمَّرتُ واجتهدتُ ، قال: فذلك التقوى ) .
وسئل
أمير المؤمنين عليٌّ –رضي الله عنه- عن معنى التقوى ، فقال: ( هي الخوف من الجليل
، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ) .
خَـل الذنوب صغيرها وكبيرَهـا ذاك التُّقَى.
واصنع كماشٍ فوق أر ضِ الشوك يحذر ما يرى.
لا تحقـرن صغيرة إن الجبال من الحصـى.
ولقد قال
رسول الله r: "
الصيام جُنَّة " أي وقاية نتقي بها كل ما نخشاه ، وننال به كل ما نتمناه ،
فالصوم وقاية للَّسان في نطقهِ ، وللعين في بصرها ، وللأذن في سماعها ، وهكذا كل
الجوارح تتقي ما نُهِي عنه ، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (( إذا صُمْتَ
فليصم سمعُك وبصرك ولسانُك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقارٌ
وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوَم صومِك سواءً )) .
___
يـا خائضاً في أعراض الناس
... أقصر !!
فقد قال
تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات ، وقال
r: "
الغِيبة: ذِكرك أخاك بما يكره " ([12])
.
قال
القرطبي –رحمه الله- : (( لا خلاف أن الغيبة من
الكبائر ، وأن من اغتاب أحداً عليه أن يتوب إلى الله عزَّ وجلَّ )) اهـ ([13])
.
وعن أنس –رضي
الله عنه- قال رسول الله r: " لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون ([14])
وجوههم وصدورهم ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ ، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم
الناس ، ويقعون في أعراضهم " ([15])
.
وعن أبي
برزة الأسلمي والبراء بن عازب –رضي الله عنهما- قال رسول الله r: " يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمانُ قلبه ، لا
تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع
الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، يفضحْه ولو في جوف بيته "([16])
.
أثر الغيبة في الصوم
عن الحسن
بن وهب الجُمَحي قاضي مكة قال: ( وقعت في رجل من أهل مكة ، حتى قلت: " إنه
مُخَنَّث " ، فصليت الظهر ؛ فعرض في قلبي شيء ، فسألت عطاء بن أبي رباح ،
فقال: " يعيد وضُوءه ، وصلاته ، وصومه " .
وعن
الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي حوشب: أن رجلاً أتى إلى ابن أبي زكريا ، فقال: "
يا أبا يحيي ! أشعرت أن فلاناً دخل على فلانة ؟ " قال: " حلال طيب
" ، قال: " إنه دخل معه برجل " ، فقال ابن أبي زكريا: " إنا
لله ! فقد وقع في نفسك لأخيك هذا ؟! حرج عليك بالله أن تكلمني بمثل هذا " ،
فلما دنا من باب المسجد قال: " والله لا تدخل حتى ترجع ، فتوضأ مما قلت
" .
وعن أبي
صالح أنه أنشد بيت شعر فيه هجاء ، فدعا بماء فتمضمض .
وعن رجاء
بن أبي سلمة قال: قلت لمجاهد: ( يا أبا الحجاج ؛ الغيبة تنقض الوضوء ؟ ) ، قال:
نعم ، وتفطر الصائم .
وعن أبي
المتوكل الناجي قال: ( كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا ، جلسوا في المسجد ،
قالوا: " نطهر صيامنا" ) .
وعن طليق
بن قيس قال: قال أبو ذر –رضي الله عنه- : "إذا صمت فتحفظ ما استطعت"
فكان
طليق إذا كان يوم صيامه دخل ، فلم يخرج إلا إلى صلاة .
وعن
مجاهد قال: (( ما أصاب الصائم شوى([17])
، إلا الغيبة والكذب )) ، وعنه قال: (( من أحب أن يسلم له صومه ؛ فليتجنب
الغيبة والكذب )) .
وعن حفصة
بنت سيرين قالت: "الصيام جُنَّة ، ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها الغيبة".
وعن
ميمون بن مهران: " إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب " .
وعن
عَبيدة السلماني قال: " اتقوا المُفْطِرَيْن : الغيبة ، والكذب " .
وعن أبي
العالية قال: " الصائم في عبادة ما لم يغتب ، وإن كان نائماً على فراشه
" .
وقال الشاعر في هذا
المعنى:-
واعلمْ بأنك لا تكونُ
تصومهُ حتى تكونَ تصومُهُ وتصونُه.
وقال آخر:
إذا لـم يكن في السمـع مني
تَصَوُّنٌ وفي بصـري غَضٌ ، وفي
منطقي صَمْتُ.
فحظي إذاً من صومي الجوعُ
والظمأ وإن قلتُ: " إني صمتُ
يوماً " فما صُمْتُ.
وقال الإمام ابن حزم –رحمه
الله- :
( ويُبطل الصومَ أيضاً
تعمدُ كلِّ معصية – أي معصية كانت – لا تحاش شيئاً – إذا فعلها عامداً ذاكراً لصومه
كمباشرة من لا يحل له ... ) إلى أن قال: ( أو كذب ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو تعمد
ترك صلاة ، أو ظلم ، أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله ) ([18])
.
وبما
رُوي أنه r أتى على
امرأتين صائمتين تغتابان الناس ، فقال لهما: " قيئا " فقاءتا قيحاً
ودماً ولحماً عبيطاً ، ثم قال r: " ها ، إن هاتين صامتا عن الحلال ، وأفطرتا على الحرام"([21])
.
وقال
الإمام النووي –رحمه الله تعالى-: ( ... فلو اغتاب في صومه عصى ، ولم يبطل صومه
عندنا ، وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والعلماء كافة إلا الأوزاعي ، فقال:
يبطل الصوم بالغيبة ، ويجب قضاؤه ) ([22])
.
وقد
استدل الإمام الأوزاعي –رحمه الله- بقوله r: " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع " ([23])
الحديث ، وبأدلة ابن حزم ، وقال النووي: " وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث ...
بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام
الرديء ، لا أن الصوم يبطل به " ([24])
اهـ .
يا ورثة الأنبياء هذه
فرصتكم
هذه
وصايا مجملة للدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ في هذا الموسم المبارك الذي هو فرصة ثمينة
للتجارة الرابحة مع الله عزَّ وجلَّ:
- حث الناس على أن لا ينشغلوا بفرصة رمضان التي لم تحن مع الذهول عن
فرصة شعبان الذي كان رسول الله r يصوم أكثره .
- عليكم أن تدعوا المسلمين لتوثيق روابطهم مع القرآن الكريم ختماً
ومراجعة وحفظاً وتفسيراً وتجويداً .
- حذروا الناس من قطاع الطريق إلى الله من أهل الفن والإعلام
والصحافة .
- حرضوهم على الكسب الطيب الحلال ، وتوقي الحرام والشبهة .
- ذكروهم بأحكام الصوم والقيام والاعتكاف وآداب ذلك كله .
- حث الناس على الصدقة الجارية من توزيع المصاحف والكتبيات والأشرطة
النافعة .
- عقد حلقة يومية لمدة عشر دقائق عقب صلاتَيْ العصر والفجر يدرس فيها
واحد أو اثنان من الكتب الآتية لعموم المصلين: [ رياض الصالحين – الأذكار النواوية
– زاد المعاد ] .
- تحذير المسلمين من فتور الهمة بعد الشِّرَّة ([25])
التي تكون في أول رمضان ثم لا تلبث أن تتلاشى وتخور العزائم ، فتخلو المساجد من
عُمَّارها خاصة في صلاتي الفجر والعشاء أثقل صلاتين على المنافقين .
- لفت نظر المسلمين إلى سهولة تطبيق نظم الحياة طبقاً للشريعة
الإسلامية إذا صدقت النوايا ، وآية ذلك أن رمضان يُحدِث – في ساعات قلائل بمجرد
رؤية هلال – ثورة شاملة في دولاب حياة المجتمع كله ، وتغييراً عميقاً على كل صعيد ،
فهذا يعكس قدرة الإسلام على إعادة صياغة نظم الحياة كلها في سلاسة وطواعية مدهشة ،
وهذا كله دليل رائع على حيوية هذا الدين ، وبقاء الخير في أمة محمد r .
- حض المسلمين على تذكر إخوانهم في الدين في البوسنة والهرسك
والصومال ، وبورما ، وتايلاند وفلسطين والشيشان وأفغانستان ، وغيرهم من المجاعات
والحروب والظلم ، والدعاء لهم مع التداعي لنصرتهم ونجدتهم ، فإذا رأيت أطفالك على
مائدة الإفطار تذكر أطفال ويتامى المسلمين الجوعى والعراة .
- لا تقصر نشاطك على رواد المساجد ، بل انتقل إلى أهل الحي في
مجامعهم ومنازلهم ونواديهم ، فإن المفرّط المقصِّر هو ضالة الداعية .
- تهيئة المساجد لاستقبال المصلين بتنظيفها وتطيبها ([26])
وعمارتها وصيانة مرافقها .
- إذا صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء ، وكذلك إذا كان المأمومون
يوافقونه على التطويل ، وكلما أطال فهو أفضل ، أما إذا كان إماماً لقوم لا يرضون
بالتطويل فعليه أن لا يشق عليهم ، قال رسول الله r: " إذا قام أحدُكم للناس فليخفِّفْ الصلاة ، فإن فيهم الصغير
والكبير ، وفيهم الضعيف والمريض ، وذا الحاجة ، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء
" [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
تنبيهات ووصايا
وهذه
وصايا لكل أخ مسلم وأخت مسلمة في هذا الشهر الكريم :
- ينبغي أن يقدم في شعبان
قضاء ما فاته من صيام رمضان الماضي .
- من
سُّنَّة المصطفى r صيام أغلب شهر شعبان لأنه لرمضان كنوافل للصلاة .
- احرص
على قيام أول ليلة من رمضان وهي ليلة الرؤيا ، ولا تفوتها ، كي تنال فضيلة قيام
رمضان كله .
- اصبر
على القيام خلف إمامك في التروايح إلى أن ينصرف كي يُكتب لك قيام ليلة كاملة .
- احرص
على صلاة المغرب في جماعة المسجد ، فإنه ينبغي تعمير المساجد بالجماعة في رمضان
أكثر من غيره .
- لا
تضيع سُّنَّة العشاء البعدية ، وهما ركعتان بعد العشاء ، وقبل القيام .
- لا
تسهر سهراً يضر بمواظبتك على حضور صلاة الفجر بالمسجد .
احرص على تطبيق الأحاديث الشريفة التالية:
[1] عن
أبي أُمامة – رضي الله عنه- قال رسول الله r: " صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما ؛ كتاب في عليين
" [ رواه أبو داود –حسن].
[2] عن
أنس –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " من صلى الفجر في جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع
الشمس ، ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حجة ، وعمرة ، تامة ، تامة ، تامة
" [ رواه الترمذي –صحيح] .
[3] عن
أم حبيبة –رضي الله عنها- قال رسول الله r: " من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بُني له بيت في
الجنة : أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد
العشاء ، وركعتين قبل صلاة الغداة " [ رواه الترمذي –صحيح].
[4] عن
أنس –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " من صلى لله أربعين يوماً في جماعة ، يدرك التكبيرة
الأولى ، كتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق " [ رواه
الترمذي –حسن].
[5] عن
أبي هريرة –رضي الله عنه- قال رسول الله r: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال أبو بكر: أنا
، قال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " ، قال أبو بكر: أنا ، قال:
" من أطعم اليوم مسكيناً؟ " ، قال أبو بكر: أنا ، فقال r: " ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة
" [ رواه مسلم والبخاري في الأدب ] .
وصلى الله على عبده ورسوله
محمد ، وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
كتبه/ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم .
غفر الله له ولوالديه
وللمسلمين
([1]) قوله رضي الله عنه "
بمحلوف رسول الله r " يقسم أبو هريرة بما أقسم به النبي r أنه ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان .
([2]) قوله r : " وذلك لما يعد المؤمنون فيه من القوة للعبادة " أي ما يقويهم
عليها في رمضان كادخار القوت , وما ينفقه على عياله فيه , وقد فسره في طريق ثانية
بقوله : " وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة للعبادة من النفقة " أي لأن
اشتغالهم بالعبادة فيه يمنعهم من تحصيل المعاش أو يقلل منه , فقيام الليل يستدعي
النوم بالنهار , والاعتكاف يستدعي عدم الخروج من المسجد , وفي هذا تعطيل لأسباب
المعاش فهم يُحصلِّون القوت وما يلزم لأولادهم في رمضان قبل حلوله ليتفرغوا فيه
للعبادة والإقبال على على الله عز وجل واجتناء ثمرة هذا الموسم , فهو خير لهم لما
اكتسبوه فيه من الأجر العظيم والغفران العميم .
([3]) قوله r : " وما يعد فيه المنافقون من غفلات الناس وعوراتهم " , يعني أن
المنافقين يستعدون في شهر رمضان للإيذاء بالمسلمين في دنياهم وتتبع عوراتهم أثناء
غفلتهم عن الدنيا وانقطاعهم إلى الله عز وجل ، فكأن ذلك غنيمة اغتنموها في نظرهم ,
ولكنها في الحقيقة شر لهم لو كانوا يعلمون ما أعده الله لهم في الآخرة من العذاب
المقيم وحرمانهم من فضله العميم , نعوذ بالله من ذلك , وما أدق هذا الوصف في حق
أهل الفن والإعلام الذين يغتنمون موسم الطاعة لصد الناس عن سبيل ربهم , وفتنتهم عن
طاعة الله عز وجل .
([4]) قوله r : " هو غنم للمـؤمن " أي هو فوز للمؤمنين بالأجر والثواب الجزيل
من غير مشقة كبيرة , وذلك لما ينزله الله سبحانه على عباده من الرحمات , ويفيضه
عليهم من النفحات , ويوسع عليهم من الأرزاق والخيرات , ويجنبهم فيه من الزلات ,
حيث يفتح لهم أبواب الجنان , ويغلق عنهم أبواب النيران , ويصفد فيه مردة الجان فهو
للأمة ربيعها , وللعبادات موسمها , وللخيرات سوقها , فلا شهر أفضل للمؤمن منه ,
ولا عمل يفضل عما فيه , فهو بحق غنيمة المؤمنين .
([5]) قوله r : " يغتنمه الفاجر " وفي رواية البيهيقي " ونقمة للفاجر
" والمعنى أن الله عز وجل ينتقم منه , ويذيقه العذاب الأليم بسوء فعله ,
وإيذائه المؤمنين , وتتبع عوراتهم , فيكون نقمة له , وأما المسلم فرمضان غنيمة له
اكتسبه من صيام أيامه وقيام لياليه , والانقطاع إلى عز وجل بالعبادة فيه , وانظر :
( الفتح الرباني )[9 /230-232 ] .
([6]) أي هلال أيِّ شهر ، ولا
يختص برمضان .
([7]) وذلك لأنه " لا
يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة " .
([8]) الغسق: الظلمة والوقوب:
الدخول في الظلمة ونحوها ، " فلعل سبب الاستعاذة منه في حال وقوبه لأن أهل
الفساد ينتشرون في الظلمة ، ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء ،
فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم ، فأضاف فعلهم في ذلك الحال إلى القمر ،
لأنهم يتمكنون منه بسببه ، وهو من باب تسمية الشيء باسم ما هو من سببه ، أو ملازم
له " أفاده الحافظ أبو بكر الخطيب .
([9]) والأظهر أنه يسمعه ذلك
لينزجر .
([10]) الناضح: الدابة يُسْتَقَى عليها .
([11]) ومن شركاء هؤلاء في الوزر أصحاب المطاعم الذين يفتحون
محالهم لترحب بالفاسقين المفطرين بغير عذر ، ويعاونونهم على الإثم والعدوان ومعصية
الله ورسوله r.
([12]) رواه مسلم (2589) ، وأبو داود (4874) ، والترمذي
(1934) ، وقال: " حسن صحيح " .
([13]) الجامع لأحكام القرآن (16/337) .
([14]) يخمشون : يخدشون ويقطعون .
([15]) أخرجه الإمام أحمد (3/224) ، وأبو داود (4878) ،
(4879) ، وصححه الألباني على شرط مسلم في " الصحيحة " رقم ( 533 ) .
([16]) رواه من حديث أبي برزة الإمام أحمد (4/420) ، وأبو
داود (4880) ، ومن حديث البراء أبو يعلى في مسنده (1675) ، وحسنه المنذري في
" الترغيب " (3/240) .
([17]) " الشوى – بالقصر – الهين من الأمر ، قال في
(اللسان): وفي حديث مجاهد: (( : كل ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب ، فهي له
كالمقتل )) ، قال يحيي بن سعيد: الشوى هو الشيء اليسير الهين ، قال: وهذا وجهه ،
وإياه أراد مجاهد ، ولكن الأصل في الشوى الأطراف ، وأراد أن الشوى ليس بمقتل ، وأن
كل شيء أصابه الصائم لا يبطل صومه فيكون كالمقتل له ؛ إلا الغيبة والكذب ؛ فإنهما
يبطلان الصوم ، فهما كامقتل له ::: أفاده العلامة أحمد محمد شاكر –رحمه الله- في
حاشية " المحلى " (6/179) .
([18]) " المحلى " (6/177) .
([19]) رواه البخاري ( 1904) ، ومسلم ( 1151) .
([20]) رواه البخاري (1903) .
([21]) رواه الإمام أحمد (5/431) من رواية عبيد ،
والطيالسي من حديث أنس ، وأشار في ( الترغيب ) إلى ضعفه (3/507) .
([22]) " المجموع" (6/398) .
([23]) رواه من حديث أبي هريرة ابن ماجه (1/539) .
([24]) " المجموع " (6/399) .
([25]) الشِّرَّة: الحِدَّة والنشاط .
([26]) ولا يبالغ في تطيب المسجد بالبخور المركز الذي يؤذي
بعض المرضى والمصلين ، فإن الشيء إذا جاوز حدَّه آذى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق