سفر بن عبد الرحمن الحوالي
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره
ونستهديه ونتوب إليه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله
فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ،
واشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
لا شك ولا ريب أن اعظم ما بعث به الرسل هو
التوحيد والتحذير من الشرك . كما قال الله تبارك تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه انه لا اله إلا أنا فاعبدون } وكما قال عز وجل : { ولقد بعثنا
في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } . وهكذا القرآن في كل حديث
وقصص يقصها . يبين ان التوحيد هو الأساس الذي تدعو إليه الرسل قاطبة . وبعد ذلك
تأتي الأحكام والشرائع ، ويأتي الحلال والحرام .
وحسبنا لنعلم نواقض الإيمان – التوحيد- وما
يخالفه وما يجانبه أن نأتي ببعض الأمثلة دون استقصاء أو تفصيل ، ومنها :
قول الله تبارك وتعالى : { ولقد أوحى إليك والى
الذين من قبلك لن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } :
فانظر أيها الأخ الكريم ، مع من هذا الخطاب ؟
انه لرسول الله
وللرسل من قبله { ولقد أوحى إليك والى الذين من قبلك } هذا الخطاب وهذا الإنذار
وهذا التخويف .
هذا لرسول الله ، وهل في البشر جميعا وفي خلق
الله قاطبة من دعا إلى التوحيد وصابر عليه ورابط وحذر من الشرك وزجر كرسول الله والرسل من قبله ؟! . لا بإجماع كل العقلاء
في هذه الدنيا .
ومع ذلك فان هذا التحذير يقال له صلى الله عليه
وسلم .
وكما في آيات الأنعام بعد أن ذكر الأنبياء
وقصصهم : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } .
فالشرك يدمر الأعمال ويحبطها . ولو أن الله
تبارك وتعالى يريد عبادات بلا توحيد وإن خالطها الشرك ونواقض الإيمان ، لكان عباد
النصارى ورهبانهم ورهبان الهندوس والبوذيين اكثر الناس إيمانا ، لأنهم اكثر الناس
اجتهادا في العبادة !. بل لكان الخوارج اكثر هذه الأمة إيمانا ، لأنهم كما قال
لأصحابه الكرام - الذين عبدوا الله عز وجل كما شرع وأمر - قال : ( تحقرون صلاتكم
إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم ) . لكن لما تلبسوا بما تلبسوا به من الانحراف
والبدعة والضلال ، لم ينفعهم .
فتبين ان تصحيح الاعتقاد واصل الإيمان والدين
هو الأساس الذي يجب ان تبنى عليه بقية الأعمال ، وإذا صح ذلك - أي الاعتقاد - فان
العبد يكون على سبيل النجاة وان ارتكب ما ارتكب ، كما جاء في قوله عز وجل في
الحديث القدسي ، قال : ( يقول عز وجل : يا ابن آدم انك لو أتيتني
بقراب الأرض خطايا - أي بملء الأرض خطايا - ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا غفرت لك ) .
وهذا من فضل الله عز وجل لمن جاء محققا التوحيد والإيمان ، ولو وقع فيما يقع فيه
بنو آدم من الأخطاء والذنوب ، ولو تلبس بما لا ينبغي ان يتلبس به المؤمن .
التوحيد كلما قوي ، والأيمان كلما امتلأ به قلب
الإنسان ويقينه وشعوره ووجدانه ، فان ذلك بلا ريب هو سبيل النجاة في الدنيا
والآخرة .
التوحيد في الدنيا سبيل نجاة ، لان الإنسان إذا
وحد الله سبحانه وتعالى واقر له بالربوبية والألوهية وانقاد لشرعه ودينه : سلم
بذلك ماله ودمه ، كما قال رسول الله : ( أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا
اله إلا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك
عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ) . هذا في الدنيا .
وفي الآخرة ، تكون النجاة من عذاب الله عز وجل
، أما ابتداء - وهذا من فضل الله - وهؤلاء هم الذين حققوا التوحيد قولا وعملا ،
فكان لهم الاهتداء التام والأمن التام الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله : {
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } . ثبت في
البخاري وغيره ان هذه الآية لما نزلت شق ذلك على أصحاب رسول الله ، وقالوا : يا رسول الله اينا لم يظلم نفسه
؟! - ظنوا أن ذلك في المعاصي والذنوب ،
ولا شك إنها من ظلم النفس – فبين النبي إن
المقصود : الشرك . قال : ( ألم تقرءوا قول العبد الصالح { يا بني لا تشرك بالله ان
الشرك لظلم عظيم } ) . فالمقصود من هذه الآية : الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم
بشيء من الشرك .
{ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } هؤلاء لهم
الأمن التام يوم القيامة ، وفي الدنيا أيضا . مهما حصل لهم من ابتلاء أو محن فهم
في الحقيقة في أمن ، لان الأمن الحقيقي هو الأمن على العقيدة والإيمان .
{ وهم مهتدون } فلهم أيضا الاهتداء التام .
أما لو حصل من الإنسان شيء من التلبس بالذنوب
والمعاصي ووقع فيما نهى الله تبارك وتعالى عنه ، فانه بين أمرين :
اما ان الله عز وجل يغفر له ويعفو عنه بتحقيقه
للتوحيد - وهذا فضل من الله تبارك وتعالى وتكرم منه ويمن به على من يشاء من عباده
- .
ولا أدل على ذلك - أي المغفرة - من حديث
البطاقة ، كما ثبت ، الرجل الذي يأتي يوم القيامة وله من الذنوب تسعة وتسعين سجلا
فتوضع في كفة في الميزان ويقال له : هذه ذنوبك وهذه أعمالك أتتنكر منها شيئا ؟.
فيقول لا يا ربي ، لا يا ربي . فيقال له : ولكنا لا نظلم أحدا شيئا ، ان لك عندنا
" بطاقة " . فيقول : يا ربي وما تغني هذه " البطاقة " ؟! .
فتخرج ، وإذا فيها " لا اله إلا الله " . فتوضع في الميزان . ولا يثقل
مع اسم الله عز وجل شيئا ، فإذا بها تهبط - أي تقوى على تلك السجلات - فينجو هذا
الرجل بفضل الله عز وجل ويصبح من أهل الجنة .
يرجى لمن حقق التوحيد ، ان الله عز وجل يغفر له
ما دون لك من الذنوب والعيوب .
وان كان الأصل في المؤمن انه يحقق التوحيد قولا
وعملا ، وشروع التوحيد من الطاعات وترك المحرمات .
هذه هي الحالة الأولى .
والحالة الأخرى : ان يكون لديه من الذنوب
والكبائر والعيوب ما اضعف إيمانه واتى عليه بنقص شديد ، وهو مع ذلك لم يزل من أهل
التوحيد ولم يتلبس بشيء من الشرك .
ففي هذه الحالة الذي يحصل - إن دخل النار ولم
يشمله فضل الله تبارك وتعالى ولا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا
الشهداء ولا الصالحين ، ولا شيء من ما هو من موانع إنفاذ الوعيد في الآخرة ، بل
استحق ان يدخل النار - فهذا أيضا على سبيل نجاة ، وان دخلها - النار - فهو خير من
الذين هم أهلها - نسأل الله العفو والعافية - أهل النار الذين لا يحيون فيها ولا
يموتون ولا يطمعون في خروج أبدا . - نسأل الله أن يحفظنا وإياكم - هو خير منهم ،
لانه لا بد ان يخرج بإذن الله ، ويكون في هذه الحالة في نار العصاة وليس نار
الكافرين .
ولو أشرك بالله لكان في نار الكافرين . كما قال
تبارك وتعالى : { انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه والجنة ومؤاه النار وما
للظالمين من أنصار } . وكما قال عز وجل : { إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء } . فلو وقع في الشرك الأكبر لكان في نار الكفار التي لا يطمع
أهلها في الخروج أبدا .
لكنه وحالته هذه - مسلم مذنب لم تشمله الشفاعة
- هو في نار العصاة التي يخرج أهلها بإذن الله تبارك وتعالى وبفضله وبشفاعة
الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين ولو بعد حين ، لبثوا ما لبثوا . مئالهم
ومصيرهم إلى الجنة . كما ثبت من حديث انس رضي الله عنه ، عند البخاري وغيره . انه
قال : ( يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أو وزن مثقال شعيرة من الإيمان ) ، ثم
قال في الثانية : ( مثقال ذرة ) ، ثم قال في الثالثة : ( أدنى مثقال ذرة من إيمان
) .
ولكي تتضح لنا الصورة كاملة عن نواقض الإيمان ،
فانه لابد ان نعرف ما اصل الدين وما التوحيد :
إن التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الألوهية .
وتوحيد الربوبية . وتوحيد الأسماء والصفات .
نستطيع ان نتعرف على نواقض الإيمان بمعرفة
نواقض كل نوع من أنواع التوحيد .
توحيد الربوبية:
أجمعت كل الفطر والعقول السليمة على الإقرار به
، ولم ينكره إلا مكابر .
ناقض هذا التوحيد : ان ينكر وجود الله عز وجل .
وهذا إفك عظيم وباطل مبين لم تعتقده أمة من الأمم قبل ظهور هؤلاء الملاحدة المسمين
بالشيوعيين ، والفكر المادي في أوربا . اما قبل ذلك فانما كان افراد قلائل زاغوا
وضلوا واضلوا .
إنكار الله تبارك وتعالى إنكارا كليا !! .
إنكار الخالق عز وجل مع وجود المخلوقات أمر عجب !! { أم خلقوا من غير شيء ام هم
الخالقون } .
مع رؤية المخلوقات و الإقرار بوجود مخلوقات ،
عجب ان ينكر الخالق سبحانه وتعالى . وحق لهم ما قاله الشاعر :
إذا ادعى عقلك إنكاره فانكر العقل ودعواه
لم يعد هذا عقلا ، وانما هو جهل وضلالة .
فسبحانه وتعالى :
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
قال عز وجل : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي
أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } لاحظوا الخطاب { سنريهم } . هذا في الكافرين وليس
في المؤمنين . فلذلك الذين سبقوا إلى معرفة آيات الله في الآفاق وفي الأنفس - كما
نرى في واقعنا الحاضر - هم الكفار ، فمعظم الآيات هم الذين اكتشفوها واطلعوا عليها
، ونحن الان نتلقاها عنهم ، فضلا عن من كان قبلهم من أهل الحضارات القديمة ، فانه
قد أراهم الله سبحانه وتعالى ما تقوم به عليهم الحجة ، ولا زالت حجة الله قائمة ،
ولا زلنا نتوقع في المستقبل المزيد من ظهور هذه الحجة ، ونرجو ان يكون ذلك ان شاء
الله ، وان تكون ثمرته المزيد ممن يهديه الله عز وجل للإيمان منهم { وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله } وهذا
فضل من الله ورحمة .
فالمقصود ان من أنكر وجود الله عز وجل فقد ناقض
هذا الأصل العظيم الذي اقر به المشركون { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض
ليقولن خلقهن العزيز العليم } .
ما كان المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ولا كان العرب قاطبة ينكرون وجود الله تبارك
وتعالى ، بل كلهم يعلم أن الله هو الخالق وهو الرزاق وهو المدبر { ومن يدبر الأمر
فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } . فكانت هذه من البديهيات في حياة العرب في
الجاهلية . ومن أنكرها فلا شك انه اكفر من أولئك الكافرين .
ويؤلمنا جدا هذه الأيام ان ينتشر هذا الفكر
الإلحادي بين شباب المسلمين بصراحة ووضوح وبلا تورية ، وله وجود ظاهري بارز بين .
يتسلل إلى المسلمين من خلال الإعلام الفاسد ووسائل الإعلام التي تنتشر وتبث ما
بصادم ويناقض عقيدة التوحيد بأنواعه الثلاثة ، ويكفيها انها تنشر الفكر الغربي
بسمومه ونظرياته وآفاته .
ولا شك أن الفكر الغربي متشبع بالإلحاد لانه
هارب من خرافات الكنيسة وغيرها وطغيانها واستبدادها وجبروتها . فهو في هروبه هذا ،
ومع تصوره انه لا دين إلا ما جاءت به الكنيسة ، وانه دين باطل ، فما سواه من
الأديان اكثر بطلانا . لا يمكن ان يتصور منه إلا ان يكفر بكل دين ، وبالتالي يكفر
بوجود الله تبارك وتعالى .
وهذه القضية لا نطيل فيها لوضوحها .
الجانب الاخر هو :
توحيد الألوهية ، أو " توحيد العبادة
":
وتوحيد العبادة هو الذي جاءت الرسل الكرام
لتقريره والدعوة إليه من خلال إلزام الناس بتوحيد الألوهية .
بمعنى : انكم بإقراركم بتوحيد الربوبية يلزمكم
ان توحدوا الله سبحانه وتعالى في العبادة والطاعة والاتباع .
وما جاء الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلا
لهذا ، كما ذكر في الآيات السابقات .
فكان الانحراف الذي وقع فيه الناس : انهم عبدوا
غير الله تبارك وتعالى . كما ثبت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه : ( ان الناس
كانوا على التوحيد عشرة قرون ) . في قوله تعالى : { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا
}. كانوا على التوحيد عشرة قرون ثم فشا
فيهم الشرك وتعظيم الأولياء وتقديس الصالحين وتصويرهم ، وهم الذين ذكرهم
الله تعالى في سورة نوح : { ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا } . فقالوا نصورهم
ونعظمهم ونتذكر عبادة الله تبارك وتعالى بتعظيمهم . فلما نسخ العلم وضعف وتضائل ،
عبدت هذه الصور وأصبحت آلهة من دون الله ، ثم بقيت هذه المعبودات في العرب ، حتى
بعث رسول الله
ولكل قبيلة من العرب معبود من هذه المعبودات مع غيرها .
توحيد الألوهية هو النوع الثاني من أنواع
التوحيد ، وتوحيد الألوهية هو توحيد العبادة ، والعبادة : هي اسم جامع لكل ما يحبه
الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والخفية ، ويدخل فيها أول ما يدخل :
أعمال القلوب ، كالخشية والإنابة والرجاء والرغبة والرهبة والخوف والحب والدعاء
والإخبات والتوكل والتضرع ، وغير ذلك .
فالأصل والأساس في المخلوق ، انه ضعيف فقير
محتاج إلى الله عز وجل في كل لحظة ، - ولو تأملت - اكبر ملوك الأرض أو حكام الدنيا
واكثر الناس في هذه الدنيا ثراء ومالا . يحتاج الله سبحانه وتعالى ، وهو فقير إلى
الله في لحظات ما ، وقد يضطر إلى ان يتضرع إلى الله ، ولهذا يقول عز وجل : { أ من
يجيب المضطر إذا دعاه } المضطر سواء كان كافرا أو مؤمنا . ربما يضطر أن يدعو الله
كل يوم ، وهو محتاج مفتقر إلى الله تعالى في كل يوم ، وان كان في ظاهر الحال يملك
اعظم دول العالم ، أقوى جيوش العالم ، لانه لا بد ان تمر به ضوائق وأزمات ونكبات
وما لا يمكن ان يلجا فيه إلا إلى الله ، وان يستعين عليه بالله .
وقد شوهد وذكر ، ونقل في الحرب العالمية
الثانية عجائب من هذا ، عندما كان طواغيت الكفر مثل " تشرشل ، روزفلت ،
وأمثالهم " يتضرعون ويدعون الله ان ينصرهم على " هتلر " فهذا من
العجب . حتى ان " ستالين " الملحد في الدولة الشيوعية التي لا تؤمن
بالله فتح الكنائس ليتضرعوا إلى الله .
فالمقصود : ان توحيد العبادة حاجة نفسية
اضطرارية لا بد منها بين العبد وربه .
الذي يفعله من ينقضون هذا الإيمان وهذا الأصل
العظيم من طواغيت الخرافة والدجل ، هو انهم يصرفون الناس عن عبادة الله ودعوة الله
والاستغاثة بالله ، إلى الاستغاثة بالمخلوقين ودعوتهم والتضرع إليهم .
ولا يخفى هذا الحال في عالمنا الإسلامي اليوم .
. . فاننا نجد - مثلا- الصوفية يعلمون الناس ان يستغيثوا بأوليائهم . مثل الشيخ
عبد القادر الجيلاني رحمه الله – وكان - عابدا عالما لكنهم غلوا فيه ، حتى جعلوه
الها ، فيقولون : يا جيلاني ، أو يقولون : يا نقشبندي ، أو : يا تيجاني ، أو : يا
سيدي فلان ، أو : يا علي - كما تفعل الروافض - ، يا حسين ، يا عباس ، يا كذا .
فيغلوا هؤلاء كما يغلوا أولئك في دعاء غير الله عز وجل .
وإذا المت بهم مصيبة أو نزلت بهم ضائقة ، دعوا
غير الله ، وبذلك يكونون اكثر نقضا للإيمان وتعلقا بالشرك من المشركين الأولين
الذين كانوا { إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } أي حينما تضيق بهم
الدنيا وتأتيهم الريح ، يدعون الله مخلصين له الدين ، وهؤلاء كلما اشتدت بهم
الكريات وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت يدعون غير الله . في حين ان المشركين يخلصون
دينهم لله عز وجل في حال الشدة ، وانما يشركون إذا نجاهم إلى البر { فلما نجاهم
إلى البر إذا هم يشركون } .
ويتفرع عن توحيد الألوهية أمر عظيم وقعت فيه
الأمة في هذا الزمن ، وهو خطب جلل خطير ، وهو ان يشرك مع الله تبارك وتعالى في
الاتباع وفي الطاعة وفي التشريع ، وهذا مناقض للإيمان ، كما قال الله عز
وجل : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم
حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } . وكما قال تبارك وتعالى : { ألم تر إلى الذين
يزعمون انهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت
وقد أمروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا } ، وكما قال عز وجل :
{ ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون } ، { ومن لم يحكم بما انزل الله
فأولئك هم الظالمون } ، { ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون } . وقوله
: { أ فحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون } ، وقوله : { أ
فغير الله ابتغي حكما } . وآيات عظيمة كثيرة في هذا الشان - كما في آيات الكهف
والشورى - كلها تدل على انه لا بد من توحيد وتجريد متابعة رسول الله في
التشريع ، في الطاعة ، في التحليل والتحريم .
وناقض هذا الأصل : ان يعتقد أحد من الناس ان
بإمكانه ان يتبع أي شيء أو أي دين سواء كان ذلك شرعا منسوخا ودين موروثا ، أو دين
وضعي وشريعة وضعية .
فلو قال قائل : نحن مسلمون ، نصوم ونصلي ونحج
البيت ، لكن في جوانبنا المالية نريد ان نأخذ شريعة التوراة لأنها سهلة وخفيفة
وواضحة . لو قال قائل ذلك فانه يكون كافر بالقرآن وبالدين كله ، ناقضا للإيمان
مرتدا عن الإسلام .
فإذا قال اخر : لا نريد شريعة التوراة لأنها
قديمة ، لكن نريد شريعة " نابليون " أو القانون الفرنسي أو القانون
الأمريكي أو الإنكليزي ، أو أي قانون من القوانيين . . . فنأخذه في أمورنا المالية
فقط والمعاملات التجارية ، اما الصلاة والصيام والزكاة والحج فنحن مسلمون . فنقول
: لا ينفع ذلك لان هذا قد نقض إيمانه باتباعه لغير شريعة الله تبارك وتعالى .
وهذا مناقض لشهادة " ان محمدا رسول الله
" مناقضة عظيمة ، ولهذا في الآية الأولى لما قال تبارك وتعالى : { فلا وربك
لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } نفى الله تبارك وتعالى الإيمان عنهم حتى
يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم . لان الأمر كما قال : { وما أرسلنا من رسول
إلا ليطاع بإذن الله } لابد من طاعته { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ، { وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ،
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور
رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين } فإذا تولى عن
طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفض اتباعه فهو من الكافرين .
لا يكون الإنسان مؤمنا إلا بتحكيم رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
يقول ابن القيم رحمه الله ، هذه الآية { فلا
وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } : شملت ثلاث مراتب - هي نفس المراتب
التي في حديث جبريل - .
حديث جبريل : فسر فيه النبي صلى الله عليه وسلم
: الإسلام والإيمان والإحسان . فاما الإسلام : فهو الحد الأدنى . وأول ما يدخل به
الإنسان في هذا الدين . وهو الانقياد الظاهر لله عز وجل . كما في قول الله : {
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم }
الإسلام في حديث جبريل ، يقابله التحكيم في هذه الآية { حتى يحكموك } . فمن حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مسلم ومن لم يحكمه فهو ليس بمسلم .
ثم قال بعد ذلك : { ولا يجدوا في أنفسهم حرجا
مما قضيت } نفي الحرج في هذه الآية يقابل الإيمان في حديث جبريل . فمن حكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وانتفى الحرج من قلبه فقد ارتقى . أي اسلم ثم امن .
{ ويسلموا تسليما } درجة التسليم هي التي تقابل
الإحسان في حديث جبريل عليه السلام وهي أعلى درجات الإيمان .
ومن التسليم لأمر الله تبارك وتعالى والإذعان
لشرعه فيما يتعلق بالمرأة المسلمة : ان نؤمن بان الله سبحانه وتعالى انزل هذه
الشريعة وجعلها كلها رحمة وعدلا ، فكل من تشدق وزعم انه يرحم المرأة ، أو يعدل
معها بإخراجها عما جاء في كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، فانه انما
يريد ان يخرجها من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر .
ولا شك ان اعتقاد ذلك : كفر بشريعة الله وكتاب
الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن صدقت بذلك ، وانساقت ورائه فقد وقعت في
الكفر الصراح . فيجب عليها ان تتوب وان تتقي الله سبحانه وتعالى . وان كانت تجهل
ذلك فلتسأل أهل الذكر لتعلم انها قد خرجت على شريعة ربها وعلى كتابه ، فلم يعد لها
حق ولا حظ فيما وعد الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين الموحدين . . . فلتعد
حالا ولتصدق التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى ولتتجرد عما دعته وعما اعتقدته
أو وقعت فيه ، من شباك هؤلاء الضالين المضلين .
كلما تعلق بأحكام المرأة ، من الحجاب والقرار
في البيت ومن أحكام العشرة الزوجية ومن أحكام الطلاق والعدة والحداد والميراث ،
وغير ذلك . . . كله عدل وكله رحمة بها .
والله سبحانه وتعالى هو الذي شرع لنا هذه
الشريعة ، ولو خرجنا عليها واتبعنا شرعة غيره ، لكنا من الكافرين المرتدين . عياذا
بالله عز وجل .
نأتي إلى النوع الثالث من أنواع التوحيد وهو :
توحيد الأسماء والصفات:
ويكفر الإنسان وينقض إيمانه إذا نفى ما أثبته
الله لنفسه أو أثبته له رسول الله من الأسماء والصفات - التي كما قال الله
تبارك وتعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . فالله عز وجل له صفات
الكمال ونعوت الجلال وكل ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء وصفات فإنما يدل على
ذلك .
وان خيل لبعض العقول ان بعضها ربما كان نقصا ،
أو أن نفيه يكون تنزيه لله - بزعمهم - فنقول :
أن من نفى أسماء الله وصفاته ، فلا شك انه قد
خرج عن هذا الدين ، وعن هذا الإيمان ، ثم انه بقدر ما ينحرف ، يكون خروجه جزئيا .
. . حتى يصل به الحال إلى الخروج الكلي ، والعياذ بالله .
وهذا الأمر قد وقع الخلط فيه قديما وظهرت الفرق
التي ضلت في توحيد الله في جانب الأسماء والصفات كالجهمية الذين نفوا أسماء الله
وصفاته ، والمعتزلة الذين اثبتوا الأسماء ونفوا الصفات ، والأشعرية الذين اثبتوا
الأسماء وبعض الصفات ونفوا البعض الآخر .
والحق القويم ، هو ما كان عليه السلف الصالح
رضوان الله عليهم ، من إثبات كل ما أثبته الله سبحانه وتعالى ورسوله من
غير تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل ، بل يقولون : { ليس كمثله شيء وهو
السميع البصير } .
ثم هناك أمر رابع - لا يدخل في هذه الأنواع
الثلاثة - لكنه لا زم عظيم لها ، وإذا نقضه العبد فقد نقض إيمانه ، ونعني به :
الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكفر
والكافرين:
وهذا جانب مهم جدا ، ولكننا في هذا الزمن نرى
الكثير من المسلمين قد وقع فيما يناقض إيمانه حينما والى أعداء الله ، وعادى
أولياء الله - نسأل الله العفو والعافية - والله تبارك وتعالى يقول : { يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء تلقون إليهم بالمودة } ، ويقول : {
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ومن يتولهم منكم فانه منهم
} انظروا { ومن يتولهم منكم فانه منهم } وغير ذلك من الآيات كما في سورة الكافرين
، وفيها البراء منهم { قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون * ولا انتم عابدون
ما اعبد ... إلى آخرها } .
شرعت قراءة هذه السورة وسورة الإخلاص في راتبة
المغرب والصبح . فالإنسان صباح مساء يتبرأ من المشركين ومعبوداتهم . يقول :
( أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني مشركين ) - أو كما قال - ويقول في حديث آخر : (
لا تترائا ناراهما ) . نار المسلم ونار الكافر ، لان كل منهما له طريق وله سبيل
مختلف تماما عن الآخر .
والذي وقعت فيه الأمة الإسلامية في هذا العصر
من نواقض الإسلام : انها داهنت الكافرين والمشركين أحبتهم ووالتهم ، باستشارتهم ،
بل حكمتهم !! . والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من
دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم
اكبر } سبحان الله العظيم ما اكبر انطباق هذه الآية على واقعنا .
فهذا - أي الولاء والبراء - اعظم ملازم لتوحيد
الله تعالى . وكما نص العلماء : اكثر ما ذكر الله عز وجل بعد توحيده وإفراده
بالعبادة : الولاء والبراء من الكافرين . فالبراء اصل من أصول الإسلام . ويجب على
كل مسلم ان يحافظ على ولاءه وبراءه .
وبهذا نستطيع ان نقول : إنا قد ذكرنا اعظم ما
يجب على المسلم اجتنابه من نواقض الإسلام وهي كثيرة . منها نواقض الإسلام العشرة
وغيرها . ولكن حرصت ان أبينها من خلال ما يقابلها : التوحيد - أنواع التوحيد
الثلاثة - وتحقيق الولاء والبراء .
وبتوضيح هذا : أكون قد وضحت نواقضها من الشرك
والكفر واتباع غير الشرع وموالاة الكافرين .
ونسأل
الله سبحانه وتعالى ان ينفعنا جميعا بما نسمع وما نقول .
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق