الأحد، 10 يونيو 2012


 ( فصل )  
الأركان الستة وكيفية الإيمان بها :
الأولُ : الإيمانُ بالله جَلَّ جَلالُه :
    وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رَبَّ كُلّ شَيءٍ ومَلِيكهُ وأنَّه الخَالِق الرازق المُحْيِي المِمُيْت المُدَبِّر لِجمَيع الأُمور .
    وأنه المستحق لأنْ يُفْرَدَ بالعُبُودِيَّةِ والذَّلِ والخُضُوعِ وجَمِيعِ أَنواع العِبادة ، وأنه المتصفُ بصفاتِ الكمال المنزه عن كل عيبٍ ونقص ، وهذا هو الأساس الأول الذي يَقُوم بِنَاء شَخْصِيَّةِ المُسْلِمِ عليه .
شعرًا :
عَلَيْكَ بِتَوْحِيدِ الإِلِهِ فَإِنَّهُ            
(

هُوَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى بِهَا يُتَمَسَّكُ       
(


آخر
تَأَمَّلْ صحِيفَاتِ الْوُجُود فَإِنَّهَا      
(

مِنْ الْجَانِبِ السَّامِي إِلَيْكَ رَسَائِلُ       
(


وَقَدْ خَطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا    
(

أَلا كُلَّ شَيْء مَا خَلا الله بَاطِلُ    

(


2- الركن الثاني : الإيمان بالملائكة :
    الإيمان بالملائكة : هو التصديقُ الجازمُ بأَنَّ لله ملائكةً مَوْجُودِينَ مَخلوقِينَ مِن نُور ، وأنهم كَما وصَفَهم الله عبادٌ مُكْرمُونَ يُسبحونَ الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرون وأنهم لا يَعْصُون الله ما أَمرهم وَيَفعلون مَا يُؤَمَرون ، وأنَّهم قَائِمِونُ بِوَظائِفهم التِي أَمَرَهَمُ الله بالقيام    بها .

    ويِجبُ الإِيمانُ على التفصيَلِ بمن وَرَدَ تَعْيينهُ باسمهِ المخصوصِ كَجبرِيل ومكيائيل وإسرافيل ورضوان ومَالك ، فَجبريلُ هو الموكلُ بأَداءِ الوَحْي وهو الروحُ الأمين ، ومِيْكَائِيلُ المُوكلُ بالقَطْرِ ، وإسرافيلُ الموكلُ بالصورِ ، ومَلَكُ الموتِ الموكلُ بِقَبْضِ الأَرْوَاحِ .
    ومنهم الموكلُ بأعمالِ العِباد ، وهُمْ الكرَامُ الكَاتُبِون ، ومنهم الموكلُ بِحفْظِ العَبْدَ مِن بينَ يديهِ ومن خَلْفهِ وهُمُ المعَقّبَاتُ ، ومنهم الموكلُ بالجنةِ ونَعيْمِهَا وهُمْ رِضوانُ ومَن مَعَهُ .
    ومنهم الموكلُ بالنَّارِ وعَذابها وهُمْ ماَلِكُ ومَن مَعَه ، ومنهم الموكلُ بِفتنةِ القبر وَهم مُنْكَرٌ ونكِير ، ومنهم حملةُ العرشِ .
    ومنهم الموكلُ بالنُّطَف في الأرحامِ وكتابة ما يراد بها ، ومنهم ملائكةٌ يَدخُلُون البيَتَ المعمورَ يَدخُلُه كُلَّ يومٍ سَبْعُونَ ألفًا ثم لا يَعُودُون ، ومنهم ملائكةٌ سَيَّاحُونَ يَتّبعُون مَجالِسَ الذِكرِ وغير ذلك .
    ويَجِبُ الإِيمانُ بِمن لم يَردْ تعْيِينهُ باسمهِ المخصوصِ أو تَعْيِينُ نوعِهِ المخصوصِ إجمالاً والله أعلم بعَدَدِهَم ، قال تعالى : ﴿ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ ﴾ الآية ، وقال تعالى :  ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ ﴾ الآية .
    فجعل الإيمانَ هو الإيمانُ بهِذِه الجملةِ ، وسَمَّى مَن آمنَ بهذه الجملةِ مُؤْمِنين كما جَعَلَ الكافرين مَن كَفَر بهِذِه الجُملةِ بقوله : ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ ﴾ الآية .
    وفي حديث جبريل : « أن تُؤْمِنَ باللهِ وملائكتهِ وكُتُبِه » الحديث فهذه الأصول اتَّفقَتْ عليها الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا الرسلُ وَأتباع الرسل .


إيمَانُنَا بالله ثُمَّ برُسلِهِ                
(

وَبِكُتبِهِ وَقِيَامَةِ الأبدَانِ                  
(


وَبِجُندِهِ وَهُم الملاَئِكَةُ الأولَى      
(

هُم رُسلُهُ لمصَالِحِ الأكوَانِ         

(


هَذِي أصُولُ الدِّين حَقًّا لاَ أصُـ  
(

ـولُ الخَمسِ للقَاضِي هوَ الهَمَدَانِ       
(


آخر
وَبَعْدَ حَمْد الله أنّي أَشْهَدُ          
(

أنْ لا إله مُسْتَحِقًا يُعْبَدُ        
   
(


إِلا إِلا لَهُ الْوَاحدُ الْفَردُ الصَّمَدْ    
(

مَن جَلَّ عَنْ زَوْجٍ وَكُفْء وَوَلَدْ 
 
(


وَأَنَّ طَه خَيْرُ مَنْ قَدْ أَرْسِلا        
(

يَدْعُو إِلى التَّوْحِيد سَائِرَ المَلا    
  
(


صَلَّى عَلَيْهِ الله ذو الجلالِ          
(

مَا دَامَتِ الأَيْام والليالي        
  
(


وآله وصَحْبهِ الْكِرَامِ               
(

السَّادَةِ الأَئمَّةِ الأَعلامِ    
        
(


( فصل ) :
3- الركن الثالث : الإيمان بكتب الله :
    الإيمان بكتب الله هو التصديق الجازم بأن لله كتبًا أنزلها على أنبيائه ورسله وهي من كرمه حقيقة، وأنها نور وهدى، وأن ما تضمنته حق وصدق ولا يعلمن عددها إلا الله .
    وأنه يجب الإِيمان بها جملة إلا ما سمي منها وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وموسى فيجب الإيمان بها على التَّفْصِيل .
    قال الله : ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ ، وقال : ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ ، وقال : ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ ، وقال : ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ فيجب الإيمان بها على التفصيل والبقية إجمالاً .
    ويجب مع الإيمان بالقرآن وأنه منزل من عند الله الإيمان بأن الله تكلم به حقيقة ، كما تكلم بالكتب المنزلة على أنبيائه ورسله ، وأنه المخصوص بمزية الحفظ من التغيير والتبديل والتحريف .
    قال الله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ، وقال : ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ  ﴾ .

     ومنزلة القرآن من الكتب المتقدمة كما ذكر الله فيه قال تعالى : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ﴾ ، وقال : ﴿ َمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ  ﴾ . وقال : ﴿ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ .
    قال المفسرون : مهيمنًا مؤتمنًا وشاهدًا على ما قبله من الكتب ، ومصدقًا لها يعني : يصدق ما فيها من الصحيح ، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتغيير وتبديل ، فما شهد له بالصدق فهو المقبول ، وما شهد له بالرد فهو المردود .
    وله يخضع كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب على عقبيه . وقال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ .
    ويجب على كل أحد إِتباعُه ظاهرًا وباطنًا والتمسك به والقيام بحقه ، قال الله :    ﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ، وقال : ﴿ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ  ﴾ .
    وأوصى النبي r بكتاب الله فقال : « خذوا بكتاب الله وتمسكوا به » . وفي حديث علي مرفوعًا : « إنها ستكون فتن » . قلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : « كتاب الله » وذكر الحديث .
    ومعنى التمسك به والقيام بحقه حفظه وتلاوته ، والقيام به آناء الليل والنهار ، وتدبر آياته وإحلال حلاله وتحريم حرامه ، والانقياد لأوامره ، والانزجار بزواجره ، والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه ، والعمل بمحكمه ،

والإيمان بمتشابهه ، والوقوف عند حدوده ، والذب عنه لتحريف الغالين المبطلين والنصيحة له بكل معانيها والدعوة إليه على بصيرة .
    وفي جواب أهل العلم والإيمان : السلف متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب ، وهو أعلى منها درجة ، فإنه قرر ما فيها من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر ، وزاد ذلك بيانًا وتفصيلاً .
    وبين الأدلة والبراهين على ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين ، وقرر الشرائع الكلية التي بعثت بها الرسل ، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع  الحجج والبراهين .
    وبين عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها وبين ما حرف منها وبدل وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة ، وبين أيضًا ما كتموه مما أمر الله بِبَيَانِهِ .
    اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْتَ إليه القَوْم وأَيْقِظْنَا من سِنة الغَفْلَةِ والنَّوم وارزِقْنَا  الاستعدادَ لِذَلِكَ اليَوْمِ الذي يَرْبَحُ فيه المُتَّقُونَ ، اللَّهُمَّ وعامِلنَا بإحْسَانِكَ وَجُدْ علينا بِفَضْلِكَ وامْتِنانِكَ واجعلنا من عِبادِكَ الذينَ لا خَوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُون ، اللَّهُمَّ ارحَمْ ذُلَّنَا بَيْنَ يَدَيْكَ واجعلْ رَغْبَتَنَا فِيما لَدَيْكَ ، ولا تحرمنا بِذُنوبنا ، ولا تَطْرُدْنَا بعُيوبنا ، واغْفِرْ لَنِا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ منْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ .

مِنْ أَهْمَلَ الدِّيْنَ لا تَأْمَن عَقَارِبَهُ  
(

وَلَوْ تَسَمَّى بإِخْلاصِ بِنِيَّاتِ       

(


لآِدَمَ جَاءَ إِبْلِيْسٌ وَقَال لَهُ           
(

إِنّيْ لَكُمْ نَاصِحٌ فاسْمَعْ مَقَالاتِي    

(


فَاقْسَمَ الخُبْثُ في رَبِيْ وَنَزَلَّهُمْ      
(

مِن الجِنَانِ إِلىَ دَارِ الأَذَيَّاتِيْ      
  
(


وصلى الله عَلَى محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين .

( فصل ) :
 4- الركن الرابع : الإيمان بالرسل :
    الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن لله رسلاً أرسلهم لإِرشاد الخلق في معاشهم ومعادهم . اقتضت حكمة اللطيف الخبير أن لا يهمل خلقه ، بل أرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين .
    فيجب الإيمان بمن سمى الله منهم في كتابه على التفصيل ، والإِيمان جملة بأن لله رسلاً غيرهم ، وأنبياء لا يحصى عددهم إلا الله ولا يعلم أسماءهم إلا هو جل وعلا .
قال الله تعالى : ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ وعَدَدُ المذكورين في القرآن خمسة وعشرون وهم : آدم ، نوح ، إدريس ، صالح ، إبراهيم ، هود ، لوط ، يونس ، إسماعيل ، إسحق ، يعقوب ، يوسف ، أيوب ، شعيب ، موسى ، هارون ، اليسع ، ذو الكفل ، داود ، زكريا ، سليمان ، إلياس ، يحيى ، عيسى ، محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    اللَّهُمَّ أَتْمِمْ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ الوَافِيَةَ وَارْزُقْنَا الإخْلاصَ فِي أَعْمَالِنَا وَالصِّدْقَ في أَقْوَالِنَا وَعُدْ عَلَيْنَا بِإصْلاحِ قُلُوبِنَا ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِديْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ ، وَصَلى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِه .
    ( فَصْلٌ ) : وَمَوْضُوعُ الرِّسَالةِ : التَّبْشِيرُ والتَّنْذِير ، قال تعالى : ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ .
    والحكمةُ في ذلك دعوةُ أُممهم إِلى عِبادةِ اللهِ وَحْدَهُ . قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾ وأفضل المرسلين أولو العزم ، وهم المذكورون في سورة الشورى .
    قال تعالى : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ

وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ الآية ، وقال : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ .
    وأفضل أولياء الله أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه المرسلون ، وأفضل المرسلين أولوا العزم ، وأفضل أولي العزم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم ، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا ، وخطيبهم إذا وفدوا .
    صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، وصاحب لواء الحمد والحوض المورود ، وشفيع الخلائق يوم القيامة ، وصاحب الوسيلة الذي بعثه الله بأفضل كتبه ، وشرع له أفضل شرائع دينه ، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس .
    وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرق فيمن قبلهم وهم آخر الأمم خلقًا وأولهم بعثًا ، ومن حين بعثه الله جعله الفاروق بين أوليائه وبين أعدائه .
    فلا يكون وليًا لله إلا من آمن به وبما جاء وابتعه ظاهرًا وباطنًا ، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أوليائه ، بل من خالفه كان من أعدائه وأولياء الشيطان . أ . هـ . واللهُ أعْلَمْ ، وَصَلى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمْ .
( فَصْلٌ )
    مَا يَجُوز عَلَى الرُسُلِ وما يَجِبُ عَلَينا نَحْوهمْ
    الواجب علينا نحو الرسل والأشياء التي تجوز عليهم والأدلة على صدقهم وما أيدهم الله به : يجب علينا تصديقهم وأنهم بلغوا جميع ما أرسلوا به على ما أمروا به وبينوه بيانًا واضحًا شافيًا كافيًا لا يسع أحدًا ممن أرسلوا إليه جهله ولا يحل خلافه .

    قال الله تعالى : ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ﴾ ، وقال : ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ الآية ، ويجب علينا الإيمان بأنهم معصومون من الكبائر .
    وأما الصغائر فقد تقع منهم ، والكتاب والسنة يدلان على ذلك ولكن لا يقرون عليها ، بل يوفقون للتوبة منها ويجب احترامهم وأن لا يفرق بينهم .
    ومَن كَفَر بنبيٍّ مِِن الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء ، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض .
    فمن رد نبوته للحسد أو للعصبية أو للتشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًا وإنما هو عن غرض وهوى وعصبية . أ . هـ .
    ويجب الاهتداء بهديهم والائتمار بأمرهم ، والكف عن ما نهوا عنه ، ويجب الاعتقاد أنهم أكمل الخلق علمًا وعملاً ، وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا ، وأن الله خصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد ، وبرأهم من كل خلق رذيل .
    ويجب محبتهم وتعظيمهم ، ويحرم الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم ، ويجوز في حقهم شرعًا وعقلاً : النوم ، والنكاح ، والأكل ، والشرب ، والجلوس ، والمشي ، والضحك ، وسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم العالية .
    فهم بشر يَعْتَرِيهم ما يعتري سائر أفراده فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام وتمتد إليهم أيدي الظلمة وينالهم الاضطهاد ، وقد يقتل الأنبياء ، كما أخبر الله بذلك في كتابه بقوله سبحانه : ﴿ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ .
    ومن الأدلة على ما ذكرنا أولاً من أنه يجوز في حقهم أشياء قوله تعالى : ﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي

 الْأَسْوَاقِ ﴾ وقال عز من قال : ﴿ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ﴾ .
    وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء » ، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمرض ويتألم ويشتكي ، وكان يصيبه الحر والبرد ، والجوع والعطش والغضب والضجر والتعب ، ونحو ذلك مما لا نقص عليه فيه .
شِعْرًا :

وَأَهَوَى مِن الفِتْيَان كُلَّ مُوَحِّدٍ     
(

مُلازِم ذِكْرِ الله في كُلِّ لَحْظَةِ       
(


لَهُ هِمَّةٌ تَعلوُ عَلَى كُلِّ هِمَّةٍ        
(

كَمَا قَدْ عَلاَ القُطْبُ النُّجُوم العَلِيَّةِ  
(

    اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ باسْمِكَ الأَعْظم الأَعَز الأَجَلَ الأَكرمِ الذي إذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ ، وإذَا سُئِلْتَ بِهِ أعْطَيْتَ ، ونَسْأَلُكَ بوجهِكَ الكَريم أكْرَمَ الوُجُوه وأَعَزَّ الوُجُوه ، يَا مَنْ عَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ ، وخَضَعَتْ لَهُ الرّقابُ ، وخَشَعَتْ لَهُ الأَصْواتُ ، يا ذَا الجَلال والإِكرام ، يَا حَيُّ يا قَيُّوم يا مَالِكَ الملك يا مَن هُو على كل شيء قدير ، وبكُلّ شيءٍ عليم ، وبكل شيءٍ مُحِيط ، يا مَن لا يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ، نسأَلُكَ أن تَغْفِر سِيئاتِنَا وتُبَدْلْهَا بِحَسَنَات يا أكرم الأكرمين .
    اللَّهُمَّ أنظِمْنَا في سِلْكِ عِبَادكَ المخلصينَ ووفقْنَا للقِيَامِ بأَرْكانِ دِينكِ القَويمِ وَنَجِّنَا مِن لَفَحَاتِ الجَحِيمِ وأَسْكِنَّا في جَناتِ النَّعيم ، واغفرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين .
     ( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِ الرُسُلِ فَكَثِيرة ، وأَعْظَمُهَا شَهَادَةُ اللهِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَادِقون . قال الله تعالى : ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ ، وقال عز شأنه : ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ .

    وقال عز من قائل عن إسماعيل عليه السلام : ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾ ، وقال عن إبراهيم : ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ﴾ ، وقال : ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ .
    فسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب إلى غير ذلك من الأدلة ، فهم أصدق الخلق على الإطلاق ، عليهم أفضل الصلاة والسلام ، وأيدهم بالدلائل الدالة على صدقهم في دعواهم الرسالة .
    فمن أعلام نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن العظيم الذي أعجز الورى كلهم ، ومثل انشقاق القمر ، وحراسة السماء بالشهب ومعراجه إلى السماء ، إلى سدرة المنتهى ، إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام ، وكفاية الله أعداءه وعصمته من الناس ، وإجابة دعائه ، وإعلامه بالمغيبات الماضية ، والمستقبلة .
    فالقرآن جاء به ذكر عن آدم ونشأته وما وسوس به إليه إبليس وما وقع له من الهبوط إلى الأرض بعد أن كان في الجنة وحدثنا عن نوح عليه السلام وما لقيه من قومه من أذى وسخرية .
    وما دعا الله به وما أرشده الله إليه من صنع الفلك وركوبه وإنجائه وأصحاب السفينة ودعوته لابنه وعصيانه له ، وانهمار السماء ، وتفجر الأرض عيونًا ، وغرق الكافرين ، ونجاة المؤمنين .
    وأخبر القرآن عن موسى عليه السلام ، وما تم عند ولادته ، وما وقع له في مصر ، وما حدث له في مدين ، وما رآه في جبل طور ، وما كف به من أعباء الرسالة ، وما دار بينه وبين فرعون من حوار ، وما جرى من السحرة ، وما انتهى إليه أمر فرعون وملئه وموسى وقومه .
    وأخبر القرآن الكريم عن عيسى وأمه عليهما السلام ، وما وقع لهما من

الخوارق ، وما صنعه لهما بنوا إسرائيل من مكائد ، وأخبره عن غيرهم من الأنبياء . قال الله تعالى : ﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ الآيات .
    وقال تعالى : ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ ﴾ الآية . وقال : ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ .
    فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلمها عن مشاهدة ولكن أعلمه إياها  الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وقال تعالى : ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ﴾ .
    وأخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمور غيبية عن القرآن . قال الله تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ﴾ الآية ، وتحقق الوعد وقال : ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ الآية . وقال : ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ ، وقوله : ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ﴾ الآية ، فكان ما أخبر به على أتم الوجوه .
    ومن هذا الباب إخباره عن مكنون الضمائر فيما أتى به من القرآن فقال : ﴿ إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ﴾ وقال الله تعالى : ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ إلى غير ذلك من الآيات .
    قال الشيخ : ومثل إخبار أهل الكتاب قبله ، وبشارة الأنبياء به . ومثل إخبار الكهان والهواتف به ، ومثل قصة الفيل ، التي جعلها الله آية في عام مولده من العجائب الدالة على نبوته .
    ومثل امتلاء السماء ورميها بالشهب التي ترجم بها الشياطين ، بخلاف

 ما كانت العادة عليه قبل مبعثه ، وبعد مبعثه ، ومثل إخباره بالغيوب التي لا يعلمها أحد إلا بتعليم الله من غير أن يعلمه إياها بشر . أ . هـ .
    وكما أيد الله موسى بالآيات البينات ، قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ وكما أيد الله سائر رسله ، مع انضمام ذلك إلى أحوالهم الجليلة ، وأخلاقهم الفاضلة الجميلة ، من سلامة الفطرة والعفاف ، والكرم والشجاعة ، والعدل والنصح .
    وقال : ولا ريب من أن من لقي الله بالإِيمان بجميع ما جاء به الرسول مجملاً مقرًا بما بلغه من تفصيل الجملة غير جاحد لشيء من تفاصيلها أن يكون بذلك من المؤمنين ، إذ الإِيمان بكل فرد من تفصيل ما أخبر به الرسول وأمر به غير مقدور للعباد ، إذ لا يوجد أحد إلا وقد خفي عليه بعض ما قاله الرسول . أ . هـ .
    وقال : ضمن الله السعادة لمن أطاعه وأطاع رسوله وتوعد بالشقاء لمن لم يفعل ذلك ، فطاعة الرسول هي مناط السعادة وجودًا وعدمًا ، وهي الفارقة بين أهل الجنة والنار ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرق بين الناس فدل الخلق بما بينه لهم .
    وقال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ فمن اجتهد بطاعة الله ورسوله بحسب الاستطاعة كان من أهل الجنة والله يرفع درجات المتقين المؤمنين بعضهم على بعض بحسب إيمانهم وتقواهم . أ . هـ .

أَلا إِنَّ السِباقَ سِباقُ زُهدٍ    
     
(

وَما في غَيرِ ذَلِكَ مِن سِباقِ 
     
(


وَيَفنى ما حَواهُ المُلكُ أَصلاً   
    
(

وَفِعلُ الخَيرِ عِندَ اللَهِ باقِ    
      
(


سَتَألَفُكَ النَدامَةُ عَن قَريبٍ         

(

وَتَشهَقُ حَسرَةً يَومَ المَساقِ   
    
(


أَتَدري أَيُّ ذاكَ اليَومِ فَكِّر         

(

وَأَيقِن أَنَّهُ يَومُ الفِراقِ        
      
(




فِراقٌ لَيسَ يُشبِهُهُ فِراقٌ            
(

قَدِ اِنقَطَعَ الرَجاءُ عَنِ التَلاق       
(

آخر :

إني أبثك من حديثي              
(

إن الحديث له شجونُ   
        
(


فارقت موضع نومي              
(

ليلاً ففارقني السكونُ     
       
(


قل لي فأولَ ليلةٍ                   
(

في القبر كيف تَرى تَكُونُ      
 
(

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمهَا وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ ، اللَّهُمَّ ثَبّتْنَا عَلَى قَوْلِكَ الثّابِتِ وَأَيدنَا بِنَصْرِكَ وَارْزُقْنَا مِنْ فَضْلِكَ وَنَجِّنَا مِنْ عَذَابِكَ .
    اللَّهُمَّ وَفِقنا لِمَا وَفَّقْتَ إِلَيْهِ القَوْم وأيْقِظْنَا مِن سِنةِ الغَفْلَةِ وَالنَّوْم وَأرزِقْنَا الاستعدادَ لذَلِكَ اليَوْم الذي يَرْبَحُ فيه المُتَّقُونَ ، اللَّهُمَّ وعامِلنَا بإِحْسَانِكَ وَجُدْ علينا بِفَضْلِكَ وامْتِنَانِكَ واجعلنا مِن عِبادِكَ الذين لا خَوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُون ، اللَّهُمَّ ارحَمْ ذُلَّنَا بَيْنَ يَدَيْكَ واجعلْ رَغْبَتَنَا فِيما لَدَيْكَ ، ولا تَحرِمِنَا بِذُنوبنا ، ولا تَطْرُدْنَا بعُيوبِنا ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
( فَصْلٌ ) : 5- الركن الخامس : الإيمان بالبعث :
    البعث لغة : التحريك والإثارة . وشرعًا : إعادة الأبدان وإدخال الأرواح فيها ، فيخرجون من الأَجْداث أحياء مهطعين إلى الداعي ، كما ذكر الله تعالى : ﴿ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ .
    وقال : ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ الآيتين .
    وقال : ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ﴾ .
    ﴿ وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُل كُونُواْ

حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ .
    وقال : ﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾ .
    وقال : ﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ﴾ .
    وقال : ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ﴾ .
    وقال : ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ﴾ الآيتين .
    وقال : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴾ ، وقال : ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  تُبْعَثُونَ ﴾ .
    وقال : ﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ .
    وقال : ﴿ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ .
    وقال : ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ﴾ .
    وقال : ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ .
    وقال : ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ﴾ .

    6- الركن السادس : الإيمان بالقدر :

    الإيمان بالقدر : التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره ، وأنه الفعال لما يريد لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يخرج عن مشيئته .
    وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ ، وأن الله خالق أفعال العباد من الطاعات والمعاصي .
    ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم وجعلهم مختارين لأفعالهم غير مجبورين

 عليها ، بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم يهدي من يشاء برحمته ، ويضل من يشاء بحكمته ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وبهذا الركن تتم الأركان .


أَفْعَالُنَا مَخْلُوقَةٌ لله         
        
(

لَكِنَّها كَسْبٌ لَنا يَا لاهِيْ       
  
(


وكُلَُّ مَا يَفْعَلُه العَبادُ     
         
(

مِن طَاعَةٍ أو ضِدّهَا مُرَادُ           

(


لِرَبِّنَا مِن غَيْرِ ما اضْطِرارِ     
     
(

مِنْهُ لَنَا فافْهَمْ وَلا تُمارِي        
  
(


( فائدة عظيمة النفع )
    ما أَنْعَم الله على عَبْدٍ نِعْمَةً أًفْضَلَ مِنْ أنْ عَرَّفَه لا إِلهَ إِلا الله ، وفهَّمَهُ مَعْنَاهَا ، وَوَفَّقَهُ لِلَعَمِلِ بِمُقْتَضَاهَا ، والدَّعْوَةِ إِليْهَا . قَال بَعْضُهُمْ :
شِعْرًا :

فَقُمْ وَحقّقْ دِينَكَ القَوِيمَا  
        
(

بِفَهْمِ مَعْنَاهَا لِتَسْتَقِيمَا         
    
(


وَهُوَ بِأَنْ ثُثبِتَ مَا قَدْ أَثْبَتَتْ     
  
(

لِرَبِنَا كَذَاك تَنْفِي ما نَفَتْ      
   
(

    اللَّهُمَّ إِلَيْكَ بِدُعَائِنَا تَوَجَّهْنَا وَبِفنائكَ أَنَحْنَا وَإِيَّاكَ أَمَّلْنَا وَلِمَا عِنْدَكَ مِن الكَرَمِ وَالجُودِ وَالإحْسَانِ طَلَبْنَا وَمِنْ عَذَابِكَ أَشْفَقْنَا وَلِغُفَرانِكَ تَعَرَّضْنَا فاغَفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ  وَصَلَى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق